الإرادة الفعل الموجب لحدوث المراد. ولذلك هو بين، أنها إذ لم خرج مرادها أنها على نحو من الوجود لم تكن عليه قبل خروج مراها إلى فعل، إذ كانت هي السبب في حدوث المراد بتوسط الفعل فإذن،ـ لو وضع المتكلمون أن الإرادة حادثه لوجب أن يبكون المراد محدثاً ولا بد.
والظاهر من الشرع أنه لم يتعمق هذا التعمق مع الجمهور. ولذلك ولم يصرح لا بالإرادة قديمة ولا حادثه، بل صرح بما الأظهر منه أن الإرادة حادثه وذلك في قوله تعالى: {إنما قولنا لشيء إذا أردنه أن نقول له كنت فيكون} [النحل:40]. وإنما كان ذلك كذلك لأن الجمهور لا يفهمون موجودات حادثة عن إرادة قديمة، بل الحق أن الشرع لم يصرح في الإرادة لا بحدوث ولا بقدم، لكون هذا من المتشابهات في حق الأكثر. وليس بأيدي المتكلمين برهان قطعي على استحالة قيام إرادة حادثة في موجود قديم، لأن الأصل الذي يعولون عليه في نفي قيام الإدارة بمحل قديم هو المقدمة التي بينا وهي أن ما لا يخلو عن الحوادث حادث.
الكشف عن مناهج الأدلة (39 - 40)
قلت: وقوله: وأما المقدمة القائلة إن الإرادة لا يكون عنها إلا مراد محدث فذلك شيء غير بين , وذلك أن الإرادة التي بالفعل، فهي مع فعل المراد نفسه، لأن الإرادة من المضاف. وقد تبين أنه إذا وجد أحد المضافين بالفعل وجد الآخر بالفعل، مثل الأب والابن، وإذا وجد أحدهما بالقوة وجد الآخر بالقوة. فإن كانت الإرادة التي بالفعل حادثة فالمراد ولا بد حادث بالفعل , وإن كانت الإرادة التي بالفعل قديمة؛ فالمراد الذي بالفعل قديم. وأما الإرادة التي تتقدم المراد فهي الإرادة التي بالقوة، أعني التي لم يخرج مرادها إلى الفعل، إذ لم يقترن بتلك الإرادة الفعل الموجب لحدوث المراد. وهذا قريب جدا من كلام شيخ الإسلام التفريق بين الإرادة التي تكون قبل الفعل والتي تسمى العزم والإرادة التي تكون مع الفعل والتي تسمى القصد , وهذه الأخيرة لا يتصور تأخرها عن الفعل.
وقال ابن رشد: ولذلك عرضت أشد حيرة تكون ن وأعظم شبهة، للمتكلمين من أهل ملتنا، أعني الأشعرية؛ وذلك لما صرحوا أن الله مريد بإرادة قديمة، وهذا بدعة كما قلنا، ووضعوا أن العالم محدث، قيل لهم: كيف يكون مراد حادث عن إرادة قديمة؟ فقالوا: فقالوا: إن الإرادة القديمة تعلقت بإيجاده في وقت مخصوص وهو الوقت الذي وجد فيه.
فقيل لهم: إن كانت نسبة الفاعل المريد إلى المحدث، وفي وقت عدمه، هي بعينها نسبته إليه في وقت إيجاده، فالمحدث لم يكن وجوده في وقت وجوده أولى منه غيره، إذ لم يتعلق به، في وقت الوجود، فعل انتفى عنه في وقت العدم. وإن كانت مختلفة، فهنالك إرادة حادثة ضرورة، وإلا وجب أن يكون مفعول محدث عن فعل قديم. فإن ما يلزم من ذلك في الفعل، يلزم في الإرادة.
وذلك أنه يقال لهم: إذا حضر الوقت، وقت وجوده، فوجد، فهل وجد بفعل قديم أو بفعل محدث؟ فإن قالوا: بفعل قديم، فقد جوزوا وجود المحدث بفعل قديم. وإن قالوا: بفعل محدث، لزمهم أن يكون هنالك إرداة محدثه. فإن قالوا: الإرادة هي نفس الفعل فقد قالوا محالاً، فإن الإرادة هي سبب الفعل في المريد , ولو كان المريد إذا أراد شيئاً ما، في وقت ما، وجد ذلك الشيء عند حضور وقته، من غير فعل منه بالإرداة المتقدمة، لكان ذلك الشيء موجوداً عن غير فاعل.
وأيضاً فقد يظن أنه إن كان واجباً أن يكون عن الإرادة الحادثه مراد حادث، فقد يجب أن يكون عن الإرادة القديمة مراد قديم، وإلا كان مراد الإرادة القديمة والحادثه واحداً، وذلك مستحيل.
الكشف عن مناهج الأدلة (94 - 95)
وقول ابن رشد: "فقيل لهم: إن كانت نسبة الفاعل المريد إلى المحدث ... " هي نفس مسألة الترجيح بلا مرجح المتقدمة كما تقدم.
وهو يلزمهم أنه ما من وقت يتصور فيه إيجاد المفعول الحادث عن تلك الإرادة القديمة , إلا وهو يتصور في وقت غير ذلك الوقت؛ فتخصيص هذا الوقت دون سواه يحتاج إلى مرجح , وهذا من تناقضهم.
المسألة الرابعة: حوادث لا أول لها
بيان ابن رشد أن لا محذور من القول بحوادث لا أول لها , لأن استناد ذلك للأول الذي ليس له بداية.
¥