عدم، إلا أن الله لم يسبق عليه زمن هو فيه ممنوع الفعل سبحانه وتعالى عن ذلك. فظهر أن وجود حوادث لا أول لها إن كانت بإيجاد من لا أول له لا محال فيه وكل فرد منها كائناً ما كان فهو حادث مسبوق بعدم لكن محدثه لا أول له وهو في كل وقت يحدث ما شاء كيف شاء سبحانه وتعالى.
رحلة الحج إلى بيت الله الحرام (51)
المسألة الخامسة: نقد الأشاعرة في مسألة خلق العالم من عدم.
قال ابن رشد: فإما أن يقال إن عقيدة الشرع في خلق العالم هي أنه خلق من غير شيء وفي غير زمان فذلك شيء لا يمكن يتصوره العلماء فضلا عن الجمهور فينبغي كما قلنا ألا يعدل في الشرع عن التصور الذي وضعه للجمهور ولا يصرح لهم بغير ذلك ... .
الكشف عن مناهج الأدلة (94)
قال شيخ الإسلام: وهؤلاء تحيروا في خلق الشيء من مادة كخلق الانسان من النطفة والحب من الحب والشجرة من النواة وظنوا أن هذا لا يكون إلا مع بقاء اصل تلك المادة إما الجواهر عند قوم وإما المادة المشتركة عند قوم وهم في الحقيقة ينكرون أن يخلق الله شيئا من شيء فانه عندهم لا يحدث إلا الصورة التي هي عرض عند قوم أو جوهر عقلي عند قوم وكلاهما لم يخلق من مادة والمادة عندهم باقية بعينها لم يخلق ولن يخلق منها شيء.
النبوات (59)
وقال: وأيضا فكون الشيء مخلوقا من مادة وعنصر أبلغ في العبودية من كونه خلق لا من شيء وأبعد عن مشابهة الربوبية فإن الرب هو أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فليس له أصل وجد منه ولا فرع يحصل عنه فاذا كان المخلوق له أصل وجد منه كان بمنزلة الولد له وإذا خلق له شيء آخر كان بمنزلة الوالد وإذا كان والدا ومولودا كان أبعد عن مشابهة الربوبية والصمدية فانه خرج من غيره ويخرج منه غيره لا سيما إذا كانت المادة التي خلق منها مهينة كما قال تعالى ألم نخلقكم من ماء مهين.
النبوات (65)
وقال: فالذي جاء به القرآن والتوراة واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها مع أئمة أهل الكتاب: أن هذا العالم خلقه الله وأحدثه من مادة كانت مخلوقة قبله كما أخبر في القرآن أنه: {استوى إلى السماء وهي دخان} أي بخار {فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها} [فصلت: 11] وقد كان قبل ذلك مخلوق غيره كالعرش والماء كما قال تعالى {وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء} [هود: 7] وخلق ذلك في مدة غير مقدار حركة الشمس والقمر كما أخبر أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام
والشمس والقمر هما من السماوات والأرض وحركتهما بعد خلقهما والزمان المقدر بحركتهما ـ وهو الليل والنهار التابعان لحركتهما ـ إنما حدث بعد خلقهما وقد أخبر الله أن خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام فتلك الأيام مدة وزمان مقدر بحركة أخري غير حركة الشمس والقمر
وهذا مذهب جماهير الفلاسفة الذين يقولون: إن هذا العالم مخلوق محدث وله مادة متقدمة عليه لكن حكي عن بعضهم أن تلك المادة المعنية قديمة أزلية وهذا أيضا باطل كما قد بسط في غير هذا الموضع.
درء التعارض (1
69)
المسألة السادسة: الخلق المستمر (الإفناء والإعدام)
قال الإيجي في المواقف: ذهب الشيخ الأشعري ومتبعوه من محققي الأشاعرة إلى أن العرض لا يبقى زمانين؛ فالأعراض جملتها غير باقية عندهم بل هي على التقضي والتجدد ينقضي واحد منها ويتجدد آخر مثله وتخصيص كل من الآحاد المنقضية والمتجددة بوقته الذي وجد فيه إنما هو للقادر المختار فإنه يخصص بمجرد إرادته كل واحد منها بوقته الذي خلقه فيه وإن كان يمكن له خلقه قبل ذلك الوقت وبعده وإنما ذهبوا إلى ذلك لأنهم قالوا بأن السبب المحوج إلى المؤثر هو الحدوث فلزمهم استغناء العالم حال بقائه عن الصانع بحيث لو جاز عليه العدم تعالى عن ذلك علوا كبيرا لما ضر عدمه في وجوده فدفعوا ذلك بأن شرط بقاء الجوهر هو العرض ولما كان هو متجددا محتاجا إلى المؤثر دائما كان الجوهر أيضا حال بقائه محتاجا إلى ذلك المؤثر بواسطة احتياج شرطه إليه فلا استغناء أصلا.
المواقف (1
498)
¥