ليس يضع هيولى للشيء الكائن يلزمه أن يكون الموجود بسيطاً , فلا يمكن في عدم. لأن البسيط لا يتغير ولا ينقلب جوهره إلى جوهر آخر.ولذلك يقول أبقراط: لو كان الإنسان من شيء واحد , لما كان يألم بدنه , أي لما كان يفسد ويتغير. وكذلك كان يلزم أن لا يتكون , بل كان يكون موجوداً لم يزل ولا يزال.
تهافت التهافت (120 - 121)
قلت: وقول ابن رشد: أما من يقول بأن الأعراض لا تبقى زمانين، وأن وجودها في الجواهر هو شرط في بقاء الجواهر، فهو لا يفهم ما في قوله من التناقض , وذلك أنه إن كانت الجواهر شرطاً في وجودها، إذ كان لا يمكن أن توجد الأعراض دون جواهر تقوم بها، فوضع الأعراض شرطاً في وجود الجواهر يوجب أن تكون الجواهر شرطاً في وجود أنفسها. ومحال أن يكون الشيء شرطاً في وجود نفسه. وأيضاً فكيف تكون شرطاً، وهي لا تبقى زمانين، بيان لتناقض قوي منهم.
ورد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
وقال: و كذلك الذين قالوا بأن العرض لا يبقى زمانين خالفوا الحس و ما يعلمه العقلاء بضرورة عقولهم فإن كل أحد يعلم أن لون جسده الذي كان لحظة هو هذا اللون و كذلك لون السماء و الجبال و الخشب و الورق و غير ذلك.
و مما ألجأهم إلى هذا ظنهم أنهما لو كانا باقيين لم يمكن إعدامهما ...
مجموع الفتاوى (16
275)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: قال الجمهور وأما تفريق الكلابية بين المعانى التى لا تتعلق بمشيئته وقدرته والمعاني التي تتعلق بمشيئته وقدرته التي تسمى الحوادث ومنهم من يسمى الصفات أعراضا لأن العرض لا يبقي زمانين فيقال قول القائل أن العرض الذى هو السواد والبياض والطول والقصر ونحو ذلك لا يبقى زمانين قول محدث فى الإسلام لم يقله أحد من السلف والأئمة وهو قول مخالف لما عليه جماهير العقلاء من جميع الطوائف بل من الناس من يقول أنه معلوم الفساد بالاضطرار كما قد بسط فى موضع آخر.
وأما تسمية المسمي للصفات أعراضا فهذا أمر اصطلاحي لمن قاله من أهل الكلام ليس هو عرف أهل اللغة ولا عرف سائر أهل العلم والحقائق المعلومة بالسمع والعقل لا يؤثر فيها اختلاف الاصطلاحات بل يعد هذا من النزاعات اللفظية والنزاعات اللفظية أصوبها ما وافق لغة القرآن والرسول والسلف فما نطق به الرسول والصحابة جاز النطق به باتفاق المسلمين وما لم ينطقوا به ففيه نزاع وتفصيل ليس هذا موضعه.
مجموع الفتاوى (12
319)
المسألة الثامنة: نقدهم في مسألة دليل الوحدانية
قال ابن رشد: وأما ما تتكلفه الأشعرية من الدليل الذي يستنبطونه من هذه الآية , وهو الذي يسمونه دليل الممانعة , فشيء ليس يجري مجرى الأدلة الطبيعية والشرعية.
أما كونه ليس يجري مجرى الطبع؛ فلأن ما يقولون في ذلك ليس برهانا.
وما كونه لا يجري مجرى الشرع؛ فلأن الجمهور لا يقدرون على فهم ما يقولون من ذلك فضلا عن أن يقع لهم به إقناع. وذلك أنهم قالوا: لوكان اثنين فأكثر لجاز أن يختلفا وإذا اختلفا لم يخل ذلك من ثلاثة أقسام لا رابع لها: إما أن يتم مرادهما جميعا.وإما ألا يتم مراد واحد منهما وإما أن يتم مراد أحدهما ولا يتم مراد الآخر.
قالوا: ويستحيل ألا يتم مراد واحد منهما؛ لأنه لو كان الأمر كذلك لكان العالم لا موجودا ولا معدوما , ويستحيل أن يتم مرادهما معا لأنه كان يكون العالم موجودا معدوما فلم يبق إلا أن يتم مراد الواحد ويبطل مراد الآخر فالذي بطلت إرادته عاجز والعاجز ليس بإله.
ووجه الضعف في هذا الدليل أنه كما يجوز في العقل أن يختلفا قياسا على المريدين في الشاهد يجوز أن يتفقا وهو أليق بالآلهة من الخلاف وإذا اتفقا على صناعة العالم كانا مثل صانعين اتفقا على صنع مصنوع وإذا كان هذا هكذا فلا بد أن يقال إن أفعالهما ولو اتفقا كانت تتعاون لورودها على محل واحد إلا أن يقول قائل: فلعل هذا يفعل بعضا والآخر بعضا أو لعلهما يفعلان على المداولة ... .
¥