مجموع الفتاوى (5
326)
المسألة السادسة عشرة: الجسمية
قال ابن رشد: فإن قيل: فما تقول في صفة الجسمية؟ هل هي من الصفات التي صرح الشرع بنفيها عن الخالق سبحانه , أم هي من المسكوت عنها؟
فنقول:إنه من البين من أم الشرع أنها من الصفات المسكوت عنها , وهي الى التصريح بإثباتها في الشرع أقرب منها إلى نفيها. وذلك أن الشرع قد صرح بالوجه واليدين في غير ما آية من الكتاب العزيز.وهذه الآيات قد توهم أن الجسمية هي له من الصفات التي فضل فيها الخالق المخلوق كما فضله في صفة القدرة والإرادة وغير ذلك من الصفات التي هي مشتركة بين الخالق والمخلوق , إلا أنها في لخالق أتم وجودا.ولهذا صار كثير من أهل الإسلام إلى أن يعتقدوا في الخالق أنه جسم لا يشبه سائر الأجسام , وعلى هذا الحنابلة وكثير ممن تبعهم.
والواجب عندي , في هذه الصفة , أن يجري فيها على منهاج الشرع ,لا يصرح فيها بنفي ولا إثبات , ويجاب من سأل في ذلك من الجمهور بقوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) وينهى عن هذا السؤال.
الكشف عن مناهج الأدلة (60)
وقول ابن رشد: وهي الى التصريح بإثباتها في الشرع أقرب منها إلى نفيها .. انتهى هذا على اعتبار تعريف الجسم بالموصوف أو القائم بذاته , وليس على اصطلاح المشبهة كغلاة الرافضة. فإن الفرق اختلفت في تفسير الجسم فالفلاسفة ذهبوا أن الجسم هو المكون من الهيولي (المادة) والصورة، وعند المعتزلة الذي تقوم به الأبعاد الثلاثة، والكرامية عنوا بالجسم القائم بنفسه، والأشاعرة يرونه المكون من الجواهر.
فهذا اللفظ مثلا من إلزامات الأشاعرة وغيرهم لأهل السنة الذين يثبتون الصفات الخبرية , فألزموا كل من أثبت الصفات الخبرية بالجسمية.
ثانيا: لفظ الجسم من الألفاظ التي لم ترد في الكتاب والسنة والأصل الاستفصال عن المعنى المراد.
ثالثا: هذا اللفظ لا يثبت ولا ينفى حتى يستفصل عن المعنى المراد.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: لفظ الجسم فيه إجمال قد يراد به المركب الذي كانت أجزاؤه مفرقة فجمعت أو ما يقبل التفريق والانفصال أو المركب من مادة وصورة أو المركب من الأجزاء المفردة التي تسمى الجواهر المفردة.
والله تعالى منزه عن ذلك كله عن أن يكون كان متفرقاً؛ فاجتمع أو أن يقبل التفريق والتجزئة التي هي مفارقة بعض الشيء بعضا وانفصاله عنه أو غير ذلك من التركيب الممتنع عليه.
و قد يراد بالجسم ما يشار إليه أو ما يرى أو ما تقوم به الصفات , والله تعالى يرى في الآخرة وتقوم به الصفات , ويشير إليه الناس عند الدعاء بأيديهم وقلوبهم ووجوههم وأعينهم؛ فإذا أراد بقوله ليس بجسم هذا المعنى.
قيل له: هذا المعنى الذي قصدت نفيه بهذا اللفظ معنى ثابت بصحيح المنقول وصريح المعقول , وأنت لم تقم دليلا على نفيه.
وأما اللفظ فبدعة نفياً وإثباتاً.
"منهاج السنة" (2
134)
وقال ابن القيم رحمه الله: فلفظ الجسم لم ينطق به الوحي إثباتاً فتكون له حرمة الإثبات , ولا نفيا فيكون له إلغاء النفي.
فمن أطلقه نفيا أو إثباتا سئل عما أراد به؟
فإن قال أردت الجسم معناه في لغة العرب , وهو البدع الكثيف الذي لا يسمى في اللغة جسم سواه , ولا يقال للهواء جسم لغة ولا للنار ولا للماء؛ فهذه اللغة وكتبها بين أظهرنا فهذا المعنى منفي عن الله عقلا وسمعا.
وإن أردتم به المركب من المادة والصورة أو المركب من الجواهر الفردة؛ فهذا منفي عن الله قطعاً , والصواب نفيه عن الممكنات أيضا فليس الجسم المخلوق مركبا لا من هذا ولا من هذا , وإن أردتم بالجسم ما يوصف بالصفات ويرى بالأبصار ويتكلم ويكلم ويسمع ويبصره ويرضى ويغضب.
فهذه المعاني ثابتة للرب وهو موصوف بها؛ فلا ننفيها عنه بتسميتكم للموصوف بها جسما.
" الصواعق" (3/ 939)
المسألة السابعة عشرة: العالم في خلاء
قال ابن رشد: والمقدمة القائلة إن الإرادة هي التي تخص أحد المماثلين صحيحة، والقائلة إن العالم في خلاء يحيط به كاذبة، أو غير بينه بنفسها , ويلزم أيضا عن وضعه هذا الخلاء أمر شنيع عندهم: وهو أن يكون قديما. لأنه إن كان محدثا احتاج إلى خلاء.
الكشف عن مناهج الأدلة (39)
¥