حمى بها النبي صلى الله عليه وسلم التوحيد من الناحية القولية والعملية بذكر النماذج والأمثلة.
ولما ذكر الشيخ -بارك الله فيه و سدده- الشرك وصوره وحكمه ومواقف الشريعة الإسلامية منه قعّد وأصّل الضوابط التي يحكم بها على الفعل أنه شرك وأكد حتمية معرفة العبد حد الشرك حتى لا يقع فيه؛ فقال في ذلك (ص255): «فكما يجب على المكلف معرفةُ حد العبادة التي خلقنا الله من أجلها وحقيقتها، يجب عليه معرفةُ حد الشرك وحقيقته؛ خصوصًا مع وجود الخلط والانحراف في حد الشرك وحقيقته عند بعض الفرق المنتسبة إلى الإسلام، وخاصة المتكلمين والفلاسفة والقبوريين الذين لم يفهموا حد الشرك وضوابطه, فأخرجوا منه أنواعًا كثيرة، بل على كونها شركًا صريحُ النصوص من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول» ا. هـ. ثم ذكر بعد ذلك الضوابط التي يكون بها العمل شركا.
ولما كان من البدهي أن الفعل لا يقوم إلا بفاعل، لزم على ذلك معرفةُ حكم من تلبس بهذه الطامة الكبرى، فلذلك تناول الشيخ -حفظه الله- بيان متى يكون من تلبس بالشرك مشركًا، وبيّن شروط الحكم على الفاعل بالشرك والكفر من خلال تحديد مناط التكفير وشروطه من خلال قضية إقامة الحجة وضوابط ذلك.
ولما ظهر مَن يعارض وقوع الشرك في أمة محمد صلى الله عليه وسلم بسبب جهله وعدم إدراكه لمدى جهل الناس بالدين وإعراضهم عن تعلمه والعمل به، بين الشيخُ -حفظه الله- بالأدلة والبراهين والنقول وقوع ذلك في الأمة.
مع التمثيل له من الواقع المعاصر بنوعين من الشرك؛ ولما لم يرتدع المخالف لذلك، وجادل وألقى بالشبهات، تصدى فارسنا المغوار لخوض معركة في الرد على الشبهات، راكبًا فرس الحجج والبراهين، شاهرًا سيف الأدلة القاطعة والآيات والأحاديث الساطعة، من خلال رد الشبهات وتفنيدها وبيان بطلانها كما تراه -أخي القارئ- في الفصول والمباحث المخصصة لذلك.
ولم يكتف الشيخ بذلك، بل رأى أنه من الواجب أن يأتي على بنيان المشركين من القواعد وأن يستأصل شأفتهم، فتناول ذرائع الشرك، وبين خطورتها، وذكر الأدلة الواردة في التحذير منها مع الاهتمام بأمرين:
1 - رد الشبهات.
2 - التمثيل بالواقع المعاصر.
وختم الشيخ حفظه الله رسالته الماتعة الجامعة المفيدة بفصلٍ جمع فيه الأحكامَ المتعلقة بالتعامل مع المشركين من جوانب متعددة؛ مثل الجانب العقدي والسلوكي وجانب العبادات والمعاملات.
فالاعتقاد تناول فيه وجوب اعتقاد كفر المشركين، وذكر دليله، وبين أن مخالفته من نواقض الإسلام، وقال -وفقه الله- في بيان أهمية هذا الأمر:
«وبهذا يتبين لنا أنه لا بد لكل مسلم موحد أن يكفر المشركين ويعتقد ذلك ويلتزم بما يترتب على هذا الاعتقاد من وجوب البغض لهم والبراءة منهم كما سيأتي، وغياب هذا الحكم -أعني وجوب اعتقاد كفر المشركين- يؤدي إلى اختلال عظيم في عقيدة المسلم؛ حيث يؤدى به إلى .... » إلى آخر ما تراه من آثار للإخلال بهذا الأمر.
وفي غضون ذلك نراه يتعرض لواحدة من أخطر الدعاوى المعاصرة وأشدها خبثًا وهي دعوة إلى وحدة الأديان، مبينًا حكمها والآثار المترتبة عليها وموقف الشريعة الإسلامية من ذلك.
وبعد أن ذكر حكم الموقف الاعتقادي من المشركين أردفه بالموقف القولي ممثلا في السلام والاستغفار وتهنئتهم بالأعياد وذكر موقف الشرع من ذلك.
ثم تعرض -حفظه الله- إلى حكم طهارة المشركين ونجاستهم، وكذلك هل يجوز دخولهم المسجد أو دخول بقاع عبادتهم، وأردف ذلك بمناقشة حكم إعطاء المشركين من زكاة أو الصدقات، ثم ألحق ذلك بأحكام النكاح والمواريث والنفقات المتعلقة بالمشركين، إلى أن وصل إلى حكم ذبيحتهم والسفر إلى بلادهم، إلى غير ذلك من فقه الاستعانة بهم في الأمور الدنيوية كالأعمال والصنائع والحروب، ثم ينهي المؤلف رسالته بجملة من التوصيات والمقترحات جملتها الاهتمام بالتوحيد والوصية بذلك وإرشاد العلماء والدعاة وطلبة العلم إلى تبيين التوحيد للناس وإحياء دور المؤسسات الإسلامية من مساجد ومدارس لتدريس العقيدة بالإضافة إلى جمع شبهات المخالف والرد عليها وبيان بطلانها، وحث الدعاة والعلماء والأمراء على حماية التوحيد، ومنع كل ما يناله من أهل البدع والضلالات وكتبهم وخرافاتهم ودعواتهم في ظل تحكيم الشريعة الإسلامية في بلدان المسلمين.
منقول