السلفي: أقول إنهما يدان حقيقيتان تلقيان بالله تبارك وتعالى. والقرآن نزل بلغة العرب واليد المطلقة في لغة العرب وفي معارفهم وعاداتهم المراد بها إثبات صفة ذاتية للموصوف لها خصائص فيما يقصد به وهي حقيقة في ذلك. ولا يثبت في معنى اليد معنى خلاف هذا إلا بقرينة.
الأشعري: القول بأنهما حقيقيتان يستلزم أنهما جارحتان كجارحتي المخلوق.
السلفي: القول بأنهما جارحتان أو ليستا بجارحتين مما لم يأت به آية محكمة ولا سنة صحيحة مبينة ولا أعرف فيه قولا لصاحب ولا تقريرًا لتابع. والقول بالتشبيه أبرأ إلى الله منه.
الأشعري: أتقول إن الله خاطبنا في كتابه بما نعرف أم بما لا نعرف؟
السلفي: بما نعرف.
الأشعري: فإني لا أعرف من معنى اليد إلا الجارحة ذات الأصابع والأعصاب والدم والعروق.
السلفي: بل تعرف غير هذا، يد السكين والسيف ونحوهما ليست بذات عروق ولا دماء ولا أعصاب.
الأشعري: إذن بين لي معنى اليد التي تثبتها لله تعالى.
السلفي: اليد معروفة من اللغة وهي كما صح الخبر يبسطها كيف يشاء ويمسك به السموات والأرض يوم القيامة ويهزهن ... إلخ لا نعدو ما جاءت به الأخبار.
الأشعري: هذا ليس بمعنى لليد.
السلفي: أما المعنى الذي هو حد نتج عن تصور فلا مجال للعقل في تصور صفاته سبحانه وتعالى كما لا نتصور ذاته والقول في الصفات كالقول في الذات، وأما اليد فمعروفة على وجه مخصوص أنها يد حقيقة لائقة بربنا تبارك وتعالى يبسطها ويقبضها ويمسك بها السموات والأرض ويهزهن .... إلى آخر ما جاءت به الأخبار.
لا نعدو بذلك الكتاب والسنة الصحيحة ولا نشبه يد ربنا بيد المخلوقين، ولا نجحد أن تكون له يد فنكذب بكتاب رب العالمين.
الأشعري: فهلا قلت: له يد ذات عروق ودماء وأعصاب ليست تشابه يد المخلوقين!
السلفي: إنما قلت له يدان لأنه أخبر عن نفسه فقال: (بل يداه مبسوطتان)، وأكد ذلك رسوله في غير ما حديث بأن له يدين كلتاهما يمين فأثبت ما أثبت الله ورسوله ولم يأتني عن الله ولا عن رسوله أن هاتين اليدين ذواتا أعصاب ولا عروق ولا دماء،،، فتوقفت وما أتكلم في هذا بنفي ولا إثبات ولا تقرير ولا إنكار ولم أعد النص ولا تسورت الوارد ولا رجمت بغيب.
الأشعري: فهلا أثبت له أيدي لقوله تعالى (مما خلقت أيدينا أنعامًا)!
السلفي: لفظ الأيدي مجموع ومضاف إلى جمع فلا يدل على إثبات أيد كثيرة فهو كقوله تعالى (بما كسبت أيدي الناس)، وكقول الملائكة: (وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا) فلا يفهم منه أن لكل ملك أيدي. وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ويضع الأرض في الأخرى) فجعلهما اثنتين ولو كن أيدي كثيرة لقال: (في أخرى).
وكذلك فإن العرب يستعملون الجمع في موضع المثنى أحيانًا ولا إشكال على هذا.
الأشعري: ولكن على هذا لا فرق بين آدم والأنعام فهذا آدم خلق بيديه وهذه الأنعام عملت بيديه كذلك لأن الجمع كما زعمت وضع موضع المثنى.
السلفي: بل ثمت فرقان:
أحدهما: انه هنا أضاف الفعل إليه وبين أنه خلقه بيديه وهناك أضاف الفعل إلى الأيدى.
الثانى: أن من لغة العرب أنهم يضعون اسم الجمع موضع التثنية إذا أمن اللبس كقوله تعالى: (والسارق والسارق فاقطعوا أيديهما) أى يديهما وقوله: (فقد صغت قلوبكما) أى قلباكما.
الأشعري: فبم تدفع قول من قال: إن التثنية في (اليدين) من قبيل تثنية اللفظ دون تثنية الصفة؟
السلفي: القائل بهذا لجأ إلى ذلك فارًّا من إثبات يدين حقيقيتين لله تبارك وتعالى فذهب هذا المذهب إلى تسعفه دلالة نقلية ولا أمارة عقلية، وقد بينت أن طريقة التأويل لليدين عند من ارتضاها ظنية في تعيين المعنى، فلم يبق إلا سبيلان: سبيل التفويض مع الإثبات وهذا غير مرتضى لأمور ليس هذا موضعها.
الثاني: إثبات يدين حقيقيتين لائقتين بالله تبارك وتعالى.
ويوصف الله تعالى بعد ذلك بأن له يدين، فوصفك إياه بأن له يدين واحد مفرد أي أن له صفة واحدة هي اليدان، والموصوف به ربنا يدان اثنتان.
تقرير ماتع في إثبات صفة اليدين لله تبارك وتعالى
من كلام الإمام أبي الحسن الأشعري
قال أبو الحسن الأشعري في كتابه (الإبانة عن أصول الديانة): " قد سئلنا أتقولون إن لله يدين؟
¥