تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فيسرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة، وإن عبداً حبشياً، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد))، ومع ذلك فقد وجدنا من خرج عن المحجة البيضاء التي هي الكتاب والسنة، وتنكَّب طريقها، واتبع هواه؛ بحجج تافهة، وشبهات ساقطة كسراب بقيعة

حجج تهافت كالزجاج تخالها حقاً وكلٌ كاسر مكسور

من أدعياء محبة الله تبارك وتعالى، ومحبة نبيه الكريم - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، فزعموا حبه، وخالفوا هديه، فامتحنهم الله - تبارك وتعالى - بهذه الآية: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية؛ فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي، والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله؛ كما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ولهذا قال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ} أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول كما قال بعض العلماء الحكماء: ليس الشأن أن تُحِب، إنما الشأن أن تُحَبَّ؛ وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زَعَمَ قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية ".

ولا يخفى على كل ذي لبٍّ وعقل ما للصوفية من نشاط في الأزمنة المتأخرة؛ من نشر باطلهم وبِدَعِهِم بين الناس بعد زخرفتها بزخرف القول، ومما رفع عقيرتهم ثناء بعض من ينتسبون للعلم والدعوة في هذه الأمة عليهم، لذا كان لا بد لزاماً علينا أن نكشف شبهاتهم حول بدعة المولد التي يخدعون بها عوام المسلمين، فنذكر بعضاً من هذه الشبه ونرد عليها قدر الإمكان، فنقول والله المستعان:

الشبهة الأولى: زعمهم أن الاحتفال بالمولد النبوي ليس بدعة وإنما هو سنة حسنة، ويستدلون بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء؛ ومن سن في الإسلام سنَّة سيئة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء)).

ونرد عليها فنقول: إن السنة الحسنة لا تكون إلا لما له أصل في الدين كالصدقة التي كانت سبباً لورود الحديث، وكقول عمر - رضي الله عنه - عندما جمع الناس لصلاة التراويح فقال: "نَعِمَتِ البدعة" بخلاف البدع؛ فإن كلها مذمومة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار))، فلفظ "كل" هو من ألفاظ العموم، و"بدعة" نكرة دلت على العموم، فدل على أن جميع البدع ضلالة، ثم قال: "وكل ضلالة في النار" فيشمل جميع أنواع البدع، إذ ليس في الدين بدعة حسنة، ولو كان في الدين بدعة حسنة لأخبرنا بها النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أخبرنا بأن جميع البدع ضلالة، فكان سيستثني منها.

الشبهة الثانية: تفسيرهم قول الله - تبارك وتعالى -: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون}، أن الرحمة في هذه الآية هو محمد - صلى الله عليه وسلم -، والرد عليها: أن اذكروا لنا من فسر هذه الآية بهذا التفسير من العلماء الذين يعتمد عليهم، بل قد قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "أي بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا، فإنه أولى ما يفرحون به {هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} أي من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة "، وقال العلامة ابن سعدي - رحمه الله -: "يقول - تعالى - مرغباً للخلق في الإقبال على هذا الكتاب الكريم بذكر أوصافه الحسنة الضرورية للعباد فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} أي: تعظكم، وتنذركم عن الأعمال الموجبة لسخط الله المقتضية لعقابه، وتحذركم عنها ببيان آثارها ومفاسدها؛ {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} وهو هذا القرآن، شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع، وأمراض الشبهات القادحة في العلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير