تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وجادلت الأنبياء أممها وحاجتها قال تعالى: ((قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا)) وقال: ((وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)) وقال: ((وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ))

فالجدال كالسيف والسيف ذو حدين: ممدوح، ومذموم

فإن السيف يمدح ما استعمل في الجهاد في سبيل الله

ويذمّ ما استعمل في قطع الطريق وإخافة المسلمين

فالسيف في نفسه آلة لا تمدح ولا تذم وإنما المدح والذم حسب الاستعمال

فمن استعمل الجدال في صرف الحق إلى الباطل فهو مذموم

ومن استعمل الجدال للوصول إلى الحق الذي أمر الله به فهو ممدوح

والجدال الذي جاء به أصول الفقه استعمل للوصول به إلى الحق فيكون على هذا ممدوحا.

الشبهة السادسة: " مجمع من علوم شتى فلا حاجة لإفراده "

قالوا: إن أصول الفقه ما هو إلا نبذ قد جمعت من علوم شتى حيث إن بعضه مأخوذ من اللغة كالكلام عن الأمر والنهي والعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين والمنطوق والمفهوم والحقيقة والمجاز ونحو ذلك

وبعضه مأخوذ من النحو كالكلام عن حروف المعاني والكلام عن الاستثناء ونحو ذلك

وبعضه مأخوذ من القرآن وعلومه كالكلام عن مباحث النسخ ووجود المجاز في القرآن وهل فيه ألفاظ بغير العربية والقراءة الشاذة والمحكم والمتشابه ونحو ذلك

وبعضه مأخوذ من السنة كالكلام عن الآحاد والمتواتر والمشهور وحجية كل نوع وشروط الراوي المتفق عليها والمختلف فيها

وبعضه مأخوذ من أصول الدين وعلم الكلام كالكلام عن ا لحكم الشرعي وأقسامه وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به وتكليف ما لا يطاق وتكليف المعدوم وشرط الإرادة في الأمر ومسألة التحسين والتقبيح العقليين ومسألة شكر المنعم ونحو ذلك

وبعضه مأخوذ من علم الفقه وعلم الجدل كالكلام عن القياس وقوادح العلة والتعارض والترجيح

وهكذا علمت أن علم أصول الفقه ما هو إلا نُبذ قد جمعت من تلك العلوم، فمن أراد أن يتعلم تلك المباحث فليتعلمها من تلك العلوم دون الرجوع إلى علم أصول الفقه وبهذا لو جُرد الذي ينفرد به أصول الفقه ما كان إلا شيئا يسيرا فتصير فائدة أصول الفقه قليلة جدا بعكس ما تصوره من أن له فوائد كثيرة

الجواب:

لا ينكر أن علم أصول الفقه قد استمد من تلك العلوم التي ذكرتموها ولكن اهتم الأصولين بتلك المباحث ودرسوها دراسة تختلف عن دراستها لو أخذت من تلك العلوم مباشرة، فقد دقق الأصوليون إلى فهم أشياء من كلام العرب لم يصل إليها النحاة واللغويون، فالنظر في كلام العرب متشعب فكتب اللغة تضبط الألفاظ ومعانيها الظاهرة واشتقاقاتها دون المعاني الدقيقة التي تحتاج إلى النظر الأصولي المتعمق بالعلوم الشرعية وقواعده، فلقد توصل الأصوليون إلى أحكام في الاستنثاء لم يتوصل إليها النحاة في كتبهم

كذلك صيغة ((افعل)) أو صيغة ((لا تفعل)) ودلالة الأولى على الوجوب ودلالة الثانية على التحريم وغير ذلك من الاستعمالات التي لو بحثت عنها في كتب اللغة لم تجد شيئا منها

فالأصوليون يبحثون فيما أخذوه من تلك العلوم - وهي علم اللغة والنجو وأصول الدين والقرآن والسنة والفقه والجدل - بحثا خاصا من جهة الأدلة الموصلة إلى الأحكام الشرعية الفقهية وأحوال تلك الأدلة

فنظر الأصولي إلى ما أخذه من تلك العلوم تختلف عن نظرة المتخصصين بتلك العلوم

وبهذا لا يمكن أن يتعلم طالب العلم مباحث الأصوليين بالرجوع إلى تلك العلوم دون الرجوع إلى ما وضع في علم أصول الفقه فثبت بذلك أن أصول الفقه فيه ما لا يوجد في غيره

الشبهة السابعة:

إن الفقه قد جمع من قبل العلماء السابقين، ودونت فيه الدواوين الكبيرة فلا حاجة إلى البدء من حيث بدأوا، فلم تبق حاجة لدراسة علم أصول الفقه

والجواب:

أن كثرة ما كتب في علم الفقه يدعو طالب العلم إلى تعلم أصول الفقه؛ ليعرض هذه الثروة الفقهية الضخمة التي اختلفت فيها أقوال الفقهاء وتعددت أدلتهم على الميزان العادل، والمحك المظهر للخطأ من الصواب، وهو أصول الفقه، فمن عرف أصول الفقه نظرا وتطبيقا يمكنه أن يعرف من تلك الأقوال والمذاهب ما هو أقرب إلى الحق وأجرى على قواعد الشريعة. والخلاصة أن كثرة المؤلفات الفقهية تدعو إلى تعلم هذا العلم والتعمق فيه لنقد الأقوال وبيان الراجح من المرجوح

أخي طالبَ الفقه ودارسه، إذا لم تكن لديك ثقافة أصولية جيدة هي نتاج اجتهاد وجد ورغبة في التحصيل، فلن تفقهَ ولن تستوعبَ كثيراً من أقوال الفقهاء واجتهاداتهم وترجيحاتهم؛ لأنها قد بُنيت على قواعد علم أصول الفقه، سواء صرّحوا بها أم لا، عندها ستُفوِّتُ على نفسِك علم أحكام الفقه بأدلتها ومداركها، ويصعب عليك البناء والتخريج والتفريع والقياس أو يتعذر.

هذه نصحية محب وهداية للحيران

والله المستعان وعليه التكلان

وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

وكتب:

أَبُو زِيَادٍ مُحَمَّدٌ بنُ مَحْمُودٍ آلُ يَعْقُوبَ النُّوبِيُّ

غفرَ اللهُ له

فجر الثامن والعشرين من رمضان لعام ثلاثين وأربع مئة وألف من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم

ــــــــــــــــ

1 - نهاية السول شرح منهاج الأصول للإسنوي

2 - ذكر ذلك شيخنا مرار وتقرارا في عدة دروس

3 - إرشاد الفحول للشوكاني (1/ 54)

4 - الشريط الأول في شرح الورقات للشيخ الخضير

5 - المهذب في علم أصول الفقه (1/ 42 - 44)

6 - الصواب أن يقال: الإسلام (مصلح) ولا يقال: (صالح) وذاك أن كل مصلح صالح وليس العكس بينما دين الاسلام مصلح للزمان والمكان كما نبه على ذلك فضيلة الشيخ مشهور حسن - حفظه الله -

7 - المهذب في علم أصول الفقه (1/ 45 - 52) وكتاب أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله ص 13

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير