وبعد هذا التمهيد نأتي إلى بيت القصيد وهو مناقشة نظرية تجديد أصول الفقه عند التربي، وذلك من خلال المبحثين الآتيين.
المبحث الأول: عرض نظرية الترابي
المبحث الثاني: نقد النظرية ومناقشتها
المبحث الأول: عرض نظرية الترابي
نقسم هذه النظرية إلى مبررات ودلائل ونتيجة وبدائل، أما المبررات فهي المقدمات التي قدمها على أنها دلائل على فساد أصول الفقه وعدم وفائه بحاجات العصر، وأما النتيجة فهي حقيقة التجديد الذي يرمي إليه، وسنضمنه أصوله الجديدة التي يريد استدراكها على علماء الإسلام.
المطلب الأول: المبررات والدلائل
قد ساق الترابي في ثنايا كتاباته في موضوع التجديد، عدة مبررات لدعوته وحاول أن يحتج لها بدلائل، وقد تأملت هذه الدلائل وفصلت بعضها عن بعض وصنفتها على النحو الآتي ([10] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn10)):
الفرع الأول: أن الأصول القديمة لا تلبي حاجات العصر
يزعم الترابي أن الأصول القديمة لا تلبي حاجات العصر لأنها أصبحت تؤخذ تجريدا، حتى غدت مقولات نظرية عقيمة لا تكاد تَلِد فقها ألبتة بل تولِّد جدلا لا يتناهى، والفقه الحي المتجدد لا ينشأ إلا بين أحضان أصول حية متجددة ([11] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn11)). ويقرر أن حاجة النهضة الإسلامية إلى المنهج الأصولي أصبحت ملحة ثم يستدرك قائلا: «لكن تتعقد علينا المسألة بكون علم أصول الفقه التقليدي الذي نلتمس فيه الهداية لم يعد مناسبا للوفاء بحاجتنا المعاصرة حق الوفاء، لأنه مطبوع بأثر الظروف التاريخية التي نشأ فيها، بل بطبيعة القضايا الفقهية التي كان يتوجه إليها البحث الفقهي» ([12] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn12)).
الفرع الثاني: غلبة الجدل والمنطق على الأصول
ومن الأمور التي تشبث بها الترابي في دعواه غلبة الجدل العقيم على المباحث الأصولية، وتحكيم القواعد المنطقية في مسائله وحدوده ([13] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn13)).
الفرع الثالث: أن أصول الفقه كان متطورا في صدر الإسلام ثم جمد
ومن شبهاته زعمه أن أصول الفقه كان متطورا في صدر الإسلام، ويتمسك بدعواه أن عمر بن الخطاب t طور الأصول ووسع دائرة المصالح في عهد خلافته، وأن فقهاء المدينة تبعوه في ذلك وورثوا عنه سعة الأصول، لكن اللاحقين منهم لم يطوروا الأصول كما طورها عمر t، وفحوى كلامه أنه كما تطورت الأصول في صدر الإسلام بحسب حاجات ذلك الزمن، فإنه لنا أن نطورها نحن أيضا بحسب حاجات زماننا ([14] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn14)).
الفرع الرابع: عدم شمول الفقه للقضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية
ومن مغالطات الترابي زعمه عدم شمول الفقه المدون أو القديم -كما هو تعبيره- للقضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، إذ كتابات أصحابه كانت عبارة عن فتاوى فرعية، وقليلا ما كانوا يكتبون الكتب المنهجية النظرية، فقد كانوا يكتبون في قضايا الأفراد لا في قضايا الأمة ([15] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn15))، وقال: «إن القضايا التي تجابهنا في مجتمع المسلمين اليوم إنما هي قضايا سياسية شرعية عامة أكثر منها قضايا خاصة، ذلك أننا نريد أن نستدرك ما ضيعنا من جانب الدين، والذي عُطل من الدين أكثره يتصل بالقضايا العامة والواجبات الكفائية، وأكثر فقهنا من ثم لا يتجه إلا إلى الاجتهاد في العبادات الشعائرية والأحوال الشخصية …أما قضايا الحكم والاقتصاد وقضايا العلاقات الخارجية مثلا فهي معطلة لديهم ومغفول عنها، وإلى مثل تلك المشكلات ينبغي أن يتجه همنا الأكبر في تصور الأصول الفقهية واستنباط الأحكام الفرعية» ([16] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn16)).
الفرع الخامس: قواعد تفسير النصوص لا تفي بالمطلوب
¥