[تأبين دخيل الله ..]
ـ[الحاج أحمد]ــــــــ[26 - 09 - 09, 10:58 م]ـ
ما لي أكتمُ حبا قد برى جسدي ... وتدّعي حب سيف الدولة الأممُ ..
اليوم .. تذكرتُ ذلك الشيخ الصالح .. حياته ولياليه .. كلامه الحسن .. وعظه الرقيق .. إيمانه العميق .. أخلاقه العظيمة .. حياته بكل تفاصيلها .. حياته التي نذرها لله .. ممتثلا قول الخليل عليه السلام: {قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين} .. رافقته عمرا مديدا .. عرفتهُ عن كثب .. وخبرته من قريب .. لكن الليلة .. هاجني الشوق .. وخذلني التصبر .. وفضحتني العبرات .. ترآى لي طيفه من مكان بعيد .. وهو في آخر أيام دنياه .. باسم الثغر .. منشرح الصدر .. قد علا محياه الشيب والتجاعيد والمرض .. عليه إشراقة المنتصر في معركة الحياة .. وهو في ثبات وهدوء وصدق وإيمان ..
تمرّ بك الأبطال كلمى هزيمةً ... ووجهك وضّاحٌ وثغرك باسمُ ..
شيخي الصالح هذا .. كان من أبناء الرعيل الأول .. قدم جدة في خمسينيات القرن الماضي .. عمل وتسبّب .. جدّ واجتهد .. وتزوّج .. أول عمل تعناه "الحجر والطين" أو بناء البيوت والدور .. ثم درس بالمدارس النظامية .. وتخرّج منها .. والتحق بوظيفة في "الترنك" بوزارة البرق والبريد والهاتف .. براتب مئتي ريالا في الشهر ..
كان من أساتذته في مدرسة الفلاح الابتدائية: حمزة سعداوي وطلحة الشنقيطي وغيرهما .. تخرج منها في العام 1385 .. لقد كان وفيا لمعلميه إلى آخر عمره .. يذكرهم بأحسن الذكر .. وقد أنشدني مرة شيئا مما روّاه إياه أستاذه سعداوي .. فكان منه:
منا انجلى نور الهدى من مشرقٍ ومغربِ ..
ها نحن في عهد الصِّبا ..
فكلما هبَّ الصَّبا ..
هام الفؤاد وصَبا ..
نسعى لنيل المأرب ..
جبريل فينا نزلا ..
يدعو لخير نبي ..
أنشدني أيضا أبياتا لعلي بن أبي طالب – وكنت قد حفظتها عنه -:
الناسُ من جهة التمثال أكفاءُ ... أبوهمُ آدمُ والأم حوّاءُ
فإن يكن لهم في أصلهم شرفٌ ... يفاخرون به فالطينُ والماءُ
ما الفضلُ إلا لأهل العلم إنهمُ ... على الهدى لمن استهدى أدلاءُ
وقدر كل امرئ ما كان يحسنهُ ... والجاهلون لأهل العلم أعداءُ
كان يأخذ القلم قبل أن يشتد عليه الباركنسون – مرضٌ يسبب رعشة لا إرادية – فيكتب بخطه الجميل بالرقعة:
الخط يبقى زمانا بعد كاتبهِ ... وكاتب الخط تحت الأرض مدفونا ..
رحم الله تلك الأكف الطاهرة .. لقد كانت حياته كلها دعوة للإخلاص .. إخلاص العبادة لله .. أفنى ثلث عمره الأخير .. يدعو إلى الله .. جاب أقطار الدنيا وأطرافها .. زاده التقوى واليسير من المتاع .. أو كما يصفه: "النية والبطّانية" .. زار الكويت والبحرين وعمّان واليمن والمغرب والسودان وجنوب إفريقية وإندونيسية والباكستان والصين وأستراليا ولندن وباريس وبلجيكا وإسبانيا .. مبلغا للدين وداعيا لرب العالمين .. لا يريد حمدا ولا مدحا ولا جزاء ولا شكورا .. بل فهم رسالته في الدنيا وأداها حتى أتاه اليقين ..
لطالما سمعته يردّد في أحاديثه ومواعظه حديث ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه الذي رواه الجماعة .. وهو من أشهر الأحاديث الدالة على أركان الإسلام .. وشاهد لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "بني الإسلام على خمس" .. وفي حديث ضمام بن ثعلبة تسلسل عقلاني منطقي لأركان الإسلام .. كان يسرد حديث ضمام بطوله ..
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم عليه وأناخ بعيره على باب المسجد، ثم عقله، ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ في أصحابه، وكان ضمام رجلا جَلدا أشعر ذا غديرتين، فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه، فقال أيكم بن عبد المطلب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا بن عبد المطلب، قال: محمد؟ قال: نعم، فقال: بن عبد المطلب إنى سائلك ومغلّظ في المسألة فلا تجدنّ في نفسك، قال لا أجد في نفسي فسل عما بدا لك، قال: أنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله بعثك إلينا رسولا؟ فقال: اللهم نعم، قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده لا نشرك به شيئا وأن نخلع هذه الأنداد التي كانت آباؤنا يعبدون معه؟ قال: اللهم نعم،
¥