تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وما أعظم أن يرغم العبد أنفه لربه تبارك وتعالى، بكثرة السجود، وكثرة الركوع، وطول القيام، لمناجاة الخالق جل جلاله، فذلك من أعظم منازل الصبر، أن يصبر الإنسان على طاعة ربه، كيف لا، وهو لم يخلق إلا من أجل العبادة، فلنحرص على أن نتحلى بالصبر على طاعة الله تبارك وتعالى، لأن صلاة التهجد تحتاج إلى ذلك، وفضلها عظيم، فهي قرصة العمر، وغنيمة الزمن، لمن وفقه الله تعالى.

وقد كان السلف الصالح من هذه الأمة يطيلون صلاة الليل متأسين بنبيهم صلى الله عليه وسلم الذي كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه وتتشقق من طول قيامه لله، ومناجاة لمولاه، قال تعالى: " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً " [الأحزاب]، فلم عرف الصحابة، وصالح سلف الأمة ما تدل عليه الآية، اقتدوا بنبيهم عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، يقول السائب بن يزيد: أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أبي بن كعب، وتميماً الداري رضي الله عنهما أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما ننصرف إلا في فروع الفجر وعن عبد الله بن أبي بكر قال: سمعت أبي يقول: كنا ننصرف في رمضان فنستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر ".

لما ذا يفعلون ذلك؟ هل هذه الصلاة واجبة عليهم؟ لا، ولكنهم أيقنوا أن الجنة حفت بالمكاره، والثمن باهض، والطريق طويل، فلا بد من إحضار المهر، وقطع الطريق بالصالح من العمل.

فلنحرص على الاتصاف بتلك الصفات الصالحة، ولنأخذ من نبينا صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، ولنقتد بصالح سلف الأمة رضوان الله عليهم أجمعين.

ثانياً / الاعتكاف:

لغة: لزوم الشيء والمداومة عليه خيراً كان أو شراً.

شرعاً: لزوم المسجد لطاعة الله، من مسلم عاقل ولو مميزاً، طاهراً مما يوجب الغسل، في مسجد ولو ساعة من ليل أو نهار.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان تحرياً لليلة القدر، وكان اعتكافه صلى الله عليه وسلم قطعاً لأشغاله، وتفريغاً لباله، وتخلياً لمناجاة ربه، وذكره ودعائه، وكان يحتجز حصيراً يتخلى فيها عن الناس فلا يخالطهم ولا يشتغل بهم، ولهذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أن المعتكف لا يستحب له مخالطة الناس، حتى ول لتعليم علم وإقراء قرآن، بل الأفضل له الانفراد بنفسه، والتخلي بمناجاة ربه، وهذا الاعتكاف هو الخلوة الشرعية، ولا يكون إلا في المساجد، وخصوصاً الجوامع التي تقام فيها الجمعة، فالخلوة المشروعة لهذه الأمة هي الاعتكاف في المساجد. وكما قيل الاعتكاف: قطع العلائق عن كل الخلائق للاتصال بالخالق.

حكمه:

سنة في كل وقت، وسنة مؤكدة في رمضان، وآكده العشر الأواخر منه، وهو واجب على الناذر، فلو نذر شخص أن يعتكف وجب عليه الوفاء بنذره، لقوله صلى الله عليه وسلم: " من نذر أن يطيع الله فليطعه " [أخرجه البخاري]، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " يا رسول الله: إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال: أوف بنذرك " [متفق عليه]، وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم وداوم عليه، واعتكف أزواجه من بعده.

فمن نذر أن يعتكف في المسجد الحرام فيجب عليه الوفاء بنذره وعليه أن يعتكف في المسجد الحرام، ومن نذر أن يعتكف في أي مسجد فكذلك يجب عليه الوفاء بنذره، لكن يجوز له أن يعتكف في أحد المساجد الثلاثة (المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى) لأنها أفضل المساجد، ومن نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى فهو بالخيار إن أراد أن يعتكف فيه وإلا ففي أي المسجدين اعتكف، لأنها أفضل منه، ومن نذر أن يعتكف في المسجد النبوي فله أن يعتكف فيه أو يعتكف في المسجد الحرام، ولا يعتكف في المسجد الأقصى، قال صلى الله عليه وسلم: " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " [متفق عليه].

ولا يجوز للمرأة أن تعتكف في بيتها لأنه ليس محلاً للاعتكاف، بل الاعتكاف في المسجد، لأنها سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكذلك اعتكف أزواجه من بعده في المسجد، ولو كان الاعتكاف في البيت جائزاً لاعتكفن في بيوتهن لأنها خير لهن.

أدلة مشروعيته:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير