8 - ومنه حفظ أقدار الناس، ومعرفة مراتبهم، فيخاطب كل واحد بما يلائمه ويناسبه. وفي الملتقى جمع من المشايخ الفضلاء، لو التقيتُ الواحد منهم لكان من حقه علي أن أقبل يده ورأسه، إعظاما للعلم الذي يحمله في صدره. وحيث تعذر الأدب حال اللقاء، فلا أقل من التأدب عبر الشبكة. ونحن في هذا الأدب مستنون، لا مبتدعون. ومن طالع أحوال العلماء في أدبهم مع مشايخهم، لم يملك إلا أن يجزم بمثل ما ذكرت.
9 - ومنه ألا يغضبَ من خوطب بما لا يلائم مرتبته التي يظن نفسه عليها، وليراعِ الإخلاصَ، والتواضعَ، وهضمَ النفس ما أمكن؛ وليعذرْ إخوانه بما يمكن من الأعذار، كجهلهم بمرتبته في العلم والفضل، أو تأولهم في عدم المخاطبة بتلك الألقاب، وغير ذلك.
10 - ومنه الحرص على مراجعة المشاركة قبل إرسالها، وكذلك بعد إرسالها في وقت التعديل. فإن مما تتأذى منه عين طالب العلم، بعضُ المشاركات التي تترنح فيها المعاني تحت ضربات معاول اللحن الفاحش، وتداخل الكلمات، وعُجمة الأسلوب، وأخطاء الإملاء، وغير ذلك. وأكثر تلك الأخطاء لا يمكن وقوعه من طالب علم، وإنما هي سبق بَنان، فيما لم تتعاهده العين بالمراجعة والتحرير.
11 - ومن أشد تلك الأخطاء التي تقع بسبب الإخلال بالمراجعة قبل الإرسال، الخطأ في كتابة الآيات القرآنية الكريمة، أو في لفظ الجلالة، أو أسماء الأنبياء أو نحو ذلك. ومن المعلوم أن المشرفين قد لا يتنبهون إلى مثل هذه الأخطاء، لكثرة المواضيع المطروحة في الملتقى. فليكن الكاتب مشرفا على نفسه، مراقبا لمشاركاته.
12 - ومن الأدب الاعتناءُ بعلامات الترقيم خاصة منها علامات التعجب والاستفهام. فإن وضعها في غير محلها يفسد المعنى؛ وإن الإكثار منها حتى تملأ السطر أو تكاد مؤذن بحالة شعورية معينة كالغضب أو السخط أو الاستخفاف أو غير ذلك، وقد يكون كاتبها غير قاصد لذلك.
13 - ومن الأدب في ملتقى علمي رصين، متخصص في العلوم الشرعية، أن تكون المشاركات كلها باللغة العربية الفصحى، ولا ينبغي العدول عنها إلى العامية إلا لنكتة خاصة، لا يُتعدى بها قدرها. ومن المعلوم أن العربية توحدنا، وأن اللهجات العامية تفرقنا. فتأمل ذلك مشكورا.
14 - ومن الأدب مراعاة الأعراف المختلفة بين البلدان، وعدم تكليف بعض الناس من أصناف المخاطبة ما لم يألفه في عرف بلده، ولا جرى به لسان قومه. والناس متفاوتون في اللين والشدة، وفي حلاوة اللسان والحدة. وعند بعض الشعوب شراسة وزعارة، وعند غيرهم لين ومسكنة؛ لكنهم جميعا منتظمون في دين واحد، يجمع شملهم، ويرص بنيانهم.
15 - ومنه البحث في الملتقى قبل طرح موضوع جديد. فإن هذا الملتقى المبارك قد صار يضم – بفضل الله عز وجل – قاعدة معلومات ضخمة من الفوائد والفتاوى والتحريرات العلمية، يندر نظيرها على الشبكة. وبعض الأعضاء قد يظن أن ما يطرحه جديد، والحال أنه قد طُرح وقتل بحثا وتمحيصا. والتكرار تشتيت للجهود من غير فائدة ترجى، ولا نفع يُقصد.
16 - ومنه عدم طرح الموضوع الواحد في أماكن متفرقة، فإنه قد يحدث أن يجيب بعض الأعضاء على إحداها، وبعضهم الآخر على الأخرى. فتضيع الفائدة، ويتعذر إلحاق النظير بنظيره.
17 - ومنه عدم طرح روابط للمواقع البدعية والخلفية، فإن الشبهَ خطافة، والنفوس ضعيفة. والأصل في الأصاغر أنهم لا يوجد عندهم خير، إلا وعند أهل السنة أكثرمنه، وأزكى وأنفع. فلِم الرجوع إلى مواقعهم، والإحالة على روابطهم؟ فإن كان ولابد، فليُكتف بالنقل المجرد، دون ذكر الرابط وتفصيل عنوانه.
18 - ومنه التأني في معرفة مراد السائل، وعدم التسرع في إجابته بما قد يكون بعيدا عن بغيته، مخالفا لقصده. وكم من كتابة ضائعة، ورمية طائشة، قد كان يغني عنها التروي في الفهم، والتثبت في معرفة المراد.
19 - ومنه التورع عن الفتيا – إن لم تكن من أهلها - والاكتفاءُ بالنقل عن ثقات العلماء الربانيين، من المتقدمين والمتأخرين، والمعاصرين - ما أمكن. فإن عدمت النقل، فعليك بالتحري والتثبت، ومراجعةِ المحفوظ - فإن الحفظَ خوان – وقدحِ زناد الذهن – فإن جواد الذكاء قد يكبو، وإن صارم البديهة قد ينبو. ثم بين للسائل أنك لا تفتيه، وإنما تذكر ما أداك إليه اجتهادك، من باب الإرشاد والبيان.
¥