تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولشد ما تفطر قلب القرشيين من خروج النبي ?، فقد جعلوا لمن يرده عليهم مائة من الإبل، والمائة من الإبل عند العربي عامة – والمدلجي خاصة – ثروة يحلم بها، ومن ثمة أحب الأعرابي الذكي (سراقة بن مالك) فارس القوم أن يستأثر بها، فاحتال لهذا الأمر كل حيلة، قال: " فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال: يا سراقة، إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل أراها محمدا وأصحابه، قال سراقة: فعرفت أنهم هم، فقلت له: إنهم ليسوا هم، ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا يبتغون ضالة لهم. قال: لعل! وسكت ".

فقد عرف (سراقة) من خلال وصف صاحبه للأشباح المسافرة أنه رسول الله ومن معه، ومع ذلك فقد لجأ إلى الكذب حتى لا ينتبه أحد إلى هذه الغنيمة، فزعم أنهم قوم خرجوا بمعرفته لطلب ضالة لهم، وإمعانا في الحيلة سكن في المجلس ساعة، ثم انسل إلى فرسه، وفي سرية تامة جهزها، وحمل رمحه. لا؛ بل جرها على الأرض لكي لا يري أهل الماء لمعانها فيشركونه في الجعالة. وسبحان الله، كان له ما أراد فلم يعلم أحد بخروجه، وما ذلك إلا ليوافق مراده مراد الله تعالى في إنجاء محمد ?.

ما يزال بريق المائة ناقة يجري بين عينيه، حتى إنه ليعصي الأزلام التي أخبرته – بزعمه يومئذ – أنه لن يضر محمدا.: " فأهويت يدي إلى كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام، فاستقسمت بها: أضرهم أم لا؟ فخرج الذي أكره؛ أنى لا أضره، فركبت فرسي، وعصيت الأزلام". إنه – إذن – الإصرار الذي لا يعرف الحدود، ولا ترده العقائد ولا الأعراف، وهو الدأب على اللحاق بنبي الله تعالى، بغية الحصول على هذه الثروة الطائلة.

أما رسول الله ?، فهو هناك عند (قديد) – وهو موضع " قرب مكة " - يسير بأناة مبعثها الثقة في الله، ويقرأ القرآن، يقول لصاحبه (لا تحزن، إن الله معنا) لقد اقترب منهما (سراقة) حتى سمع قراءة النبي ?، " وهو لا يلتفت، وأبو بكر كثير الالتفات "، ما هي إذن إلا خطوات بينه وبين ما يريد قدَّرها أبو بكر بأنها " قيد رمحين أو ثلاثة "، إلا أن الله يأبى أن يسلم محمدا ? للكافرين.

نبوءة الهجرة:

ويفاجأ سراقة أن ركبتي الفرس التي كانت تعدو به قد ساختا في الرمال؛ لقد دعا عليه رسول الله ? قال: " اللهم اكفناه بما شئت " وهذا سلاح لم يعهد سراقة التعامل معه، فلم يستطع مقاومته. ويبدو أن هذا الأمر قد تكرر مرتين، وقد يفهم هذا من إحدى روايتي البخاري. وهنا يستسلم الفارس وينادي الركب بالأمان؛ " انظروني أكلمكم؛ أنا سراقة ابن جعثم، لا يأتيكم مني شيء تكرهونه، وأنا لكم نافع غير ضار.

وقد يتساءل المرء: لماذا لم يرجع (سراقة) من حيث جاء بعد فشل المحاولة؟ وما الذي دفعه إلى قول هذه الكلمات (الإيجابية) في حق الركب المهاجر؟ أهي نسائم الإيمان داعبت قلبه؟ أم هو الخوف من دعوات محمد أن تلاحقه في رجوعه؟ قد تبيين أحد الأمرين في قول (سراقة): " فأيقنت أن الرجل ممنوع "، " ووقع في نفسي حين لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله ? ".

ومن ثمة عرض عليهم كل ما يستطيع تقديمه، من زاد ومتاع، حتى إنه عرض على النبي سهما من كنانته أمارة يعطيها للرعاة في طريق المدينة لكي يتزود بالشاء والأنعام حتى يصل، إلا أن عفة المهاجر الكريم ? كانت أبلغ في إقناعه بأن الذي يحفظه الله من الهلاك المحقق لا حاجة له في متاع الناس. كل ما طلبه منه رسول الله ? هو أن يخفي عليهم ويعمي القوم عنهم، وقد اجتهد (سراقة) في ذلك أيما اجتهاد، فكان كلما لقي نفرا يطلبون رسول الله ? يتذمم لهم أنه قد كفاهم هذه الجهة في البحث عنه. فسبحان الذي جعل نجاة رسول الله في محاولة الظفر به. وسبحان من جعل الذي كان يطلب أكتاف القوم يتحول لكي يسألهم الأمان. قال سراقة:" فسألته – ? - أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة فكتب لي في رقعة من أدم ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير