تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إلا أن الأمر الأهم هنا ليس هو التساؤل الذي يطرح نفسه على ذهن المتأمل: كيف يعطي الخائف المتوجس أمانا؟ وذلك لأن رسول الله ? لم يكن في هذا الموقف خائفا أو متوجسا – وإن كان المقام مقام خوف وتوجس – بل الثابت أنه كان ينهى صاحبه عن الخوف، والحزن، وأنه كان واثقا تمام الثقة أنه منصور لا محالة، ومن ثمة كان الأمر المهم هنا هو أن نبي الله صلوات الله عليه أراد أن يجعل أمان سراقة محفورا داخل قلبه بأن يتجاوز به حدود اللحظة الإنسانية، لينقله إلى آفاق الزمان الإلهي، حيث لا يكون بين وجود الحدث وعدمه إلا كلمة (كن) وعلى هذا الأساس نفهم النداء الذي وجهه النبي ? لسراقة من مقام الخوف: " يا سراقة كيف بك إذا تسورت بسواري كسرى؟ " قال السهيلى: "فاستبعد ذلك سراقة في نفسه، وقال: أكسرى ملك الملوك؟ فأخبره النبي ? - أن حليته ستجعل عليه تحقيقا للوعد، وإن كان أعرابيا بوالا على عقبيه، ولكن الله يعز الإسلام وأهله، ويسبغ على محمد وأمته نعمته وفضله ".

عمير .. من الانتقام إلى الإسلام:

وليس تحول القلب من الكفر إلى الإيمان بالشيء الهين، أما بالنسبة إلى الله تعالى فهو أهون الأشياء عليه، ومع ذلك فهو سبحانه يتصرف في الأسباب بالكيفية التي تحدث النتائج التي يريدها سبحانه، وما أكثر ما تكون هذه الأسباب غير مؤدية في مراحلها الظاهرة إلى مثل هذه النتائج.

وإذا عرضنا لهذه المحاولة التي حيكت خيوطها بإتقان، وتضافرت أسبابها بدقة من أجل اغتيال النبي الطاهر صلوات الله عليه، فقد نلمح مصداق شيء مما قدمنا، إذ جلس صفوان بن أمية وعمير بن وهب الجمحى – بعد معركة (بدر) مباشرة، يتباكيان ما حل بمعسكر الكفار من هزيمة نكراء، ذهب وقوداً لها رءوس مكة وصناديدها، ويتراجعان الأحداث الدامية التي ما زالت آثارها تعلق بقلبيهما كما تعلق بقلب كل مكي، وكان عمير بن وهب – كما يعبر ابن إسحاق – " شيطانا من شياطين قريش، وكان ممن يؤذي رسول الله ? "ولك – إذن – أن تتصور ما ينطوي عليه حديث هذين الجبارين من جبابرة قريش ومقدار المآسي التي يطرحها هذا اللقاء؛ إذ عبر عمير بن وهب عن أسفه لعدم استطاعته قتل محمد ?، وذلك لدين عليه ليس عنده قضاؤه، وعيال له يخشى عليهم الضياع. وإذا كان الدافع الشرير لقتل نبي الله تعالى موجوداً وملحا فإن مثل هذه الموانع من السهل التعامل معها في ضوء ما يتطلع إليه المجتمع المكي كله – تقريبا – من كيد للإسلام ونبيه. خصوصا وأن (عميرا) له علة يتعلل بها في القدوم على النبي الأمين، وهي أن ولده (وهب بن عمير) هو أحد الأسرى عند المسلمين، وكان المسلمون قد أعلنوا قبولهم فداء الأسرى من ذويهم بمكة، فالجو ما يزال جوا مفتوحاً بين مكة والمدينة، ولا بأس بالتسلل الخائن من خلال هذه الثغرة الدبلوماسية المفتوحة.

إلا أن إطلاع (مكة) على خطة لقتل محمد ? ليس من المستحسن؛ فبين ظهراني قريش ناس يخشى من تواطنهم معه، أو أن تحركه عاطفة القرابة إليه لاتخاذ أي وسيلة وقائية ضد هذه الخطة، فلا بد أن يتحمل صفوان وحده دين عمير، ويتذمم له في عياله، قال صفوان: " علي دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، لا يسعنى شيء ويعجز عنهم "، ومن ثمة تكاتم الرجلان خطة اغتيال محكمة يقوم بها (عمير بن وهب)، بلبس ثياب الدبلوماسية التي تخفى خنجر الخيانة،وهي سبيل يرثها أهل الكفر في حياكة مؤامراتهم على دين الله تعالى إلى يومنا هذا كابرا عن كابر 0

وندع ابن كثير يقص هذه القطعة:"000 فقال له عمير: اكتم عني شأني وشأنك. قال: أفعل. قال: ثم أمر لعمير بسيف فشحذ له وسم، ثم انطلق حتى قدم المدينة، فبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم الله به، وما أراهم من عدوهم، إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحاً السيف، فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب، ما جاء إلا لشر، وهذا الذي حرش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر. ثم دخل عمر على رسول الله ?، فقال: يا نبي الله؛ هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه. قال: فأدخله علي. قال: فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه، فلببه بها، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير