تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

استمتعتُ بقراءتك لأبياتي، ولا شكّ في أنّ الناقد ربما تخيّل حال الشاعر ودوافعه ومراده، وقد يجنح حصانه في الميدان أو يجمح إلى ما وراء السدف التي ربما عشيت عينا الشاعر عنها، ولعلنا غير ناسين قول سيدي أبي الطيّب _ غفر الله له _: (ابن جنّي أدرى بشعري منّي).

ولذلك لن أعلّق على قراءتك النقديّة للأبيات، لكنني سأزيل عجبك الذي جحظ بعينيك أمام أعجوبة أن تأتي العربة قبل الحصان (أن يأتي الكتاب قبل القصيدة).

ولستُ أدري أقرأتِ الكتاب المقصود أم لا؟

ودون الحاجة إلى انتظار إجابة السؤال أقول:

حينما دخلت أمّي _رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها الفردوس الأعلى من جنانه_ في الغيبوبة، كنت أقرأ كتاباً عنوانه (متعة الحديث)، وهو كتاب يجمع نوادر الحكم والأمثال والكلام الرائع، فقرأت فيه حكمة أذهلتني: (يظلّ الرجل طفلاً حتى تموت أمّه، فإذا ماتت شاخَ فجأة)، فلم أستطع أن أتجاوز هذه المقولة، بل صدر مني ثلاثة أشياء: تلوينها بالقلم الأصفر، وإغلاق الكتاب حتى إشعار آخر، وقرّع لا ينقطع لأجراس هذه المقولة لتفكيري.

وبعد أن رحلت أمّي _رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها الفردوس الأعلى من جنانه_ عن الدنيا كنتُ أوّل من رآها بعد رحيلها، ومن قوّة الفاجعة احتبست دمعتي أياماً غير قليلة، ولن أصف الآن حبّي لها رحمها الله؛ لأنني عجزت عن الإحاطة بذلك في كتاب، فكيف يُظَنُّ أنني أستطيع ذلك في تعليقة قصيرة.

ولكنني أدركتُ أنني لا بدّ من أنّ أنفّس عن مشاعري المكبوتة؛ لئلا تكون عاقبتها غير حميدة، فاحتبست نفسي في بيتي أياماً ثلاثة لا أخرج منه لغير الصلوات، فأنجزت فيها كتابي (يظلّ الرجل طفلاً حتى تموت أمّه) الذي انبجست فيه دموعي مشاعر لن أقول عنها: إنها جلبت لي الراحة؛ لأنّ الوقفة أمام الموت كانت عجلى، والطريق إلى الموت كان كئيباً، حتى بسببه شاخ الطفل فجأة، ولم أستطع أن أجد جواباً عن سؤالي: (ألا مَنْ ذا له أمٌّ كأمّي؟)، ولا عن سؤالي الآخر: (ماذا فقدتُ بفقدِ أمّي؟)، ولم تكن (دمعتي على قبر أمّي) كافية لتسكين اللوعة؛ لأنّ الدنيا وليست الدار وحدها هي التي أقفرت بعد رحيل أمّي رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها الفردوس الأعلى من جنانه.

وكنت أظنّ أنني كالمصدور سيبرأ بالنفث، وأنّ السنوات كفيلة بأن أنسى وأن أسلو، ولكنني ما سلوتُ سُلوَّ الأغمارِ وإنْ كنتُ قد صبرتُ صبرَ الأحرارِ.

ونظراً إلى الطلب الكبير على الكتاب تتابعت طبعاته، وكنت في كلّ طبعة أزيد فيه، فظللتُ أعيشُ الفاجعة بلا انقطاع حتى هذه الساعة لأسباب كثيرة، منها:

عِظَم محبتي لأمّي رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها الفردوس الأعلى من جنانه.

وتأثري الشديد بفقدها، وتواصل ذكرها، فلا يكاد يمرّ يومٌ لم يوقفني أحدٌ ليخبرني أنه قرأ كتابي وتأثر به كثيراً، أو تصلني رسالة من شرق الأرض أو غربها تبدي إعجابها بالكتاب.

وكل أولئك حرمت جراحي البرء.

أما الشعر فقد كنت هجرته منذ أن سلكت سبيل النحاة، وفجأة بعد سنة من رحيل أمي _رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها الفردوس الأعلى من جنانه_ حدث لي ما قد يحدث للعاقر التي يئست من الحمل، وفجأة شعرت بأعراض الحمل، فكان ما كان، فذرفت (عبرة من بحر دمعي).

هذا ما أردت إيضاحه، وللجميع تحياتي.

ـ[بثينة]ــــــــ[26 - 03 - 2008, 02:39 ص]ـ

رائعة من الروائع!!.

فَقَدْ فَقَدَتْ إِلْفاً يُعَاضُ بِمِثْلِهِ ... وَمَنْ يَفْتَقِدْ أُمّاً فيا بُؤْسَ لِلفَقْدِ

بارك الله فيك و سلمت يداك أستاذي الفاضل ..

إن شاء الله موعدنا الجنّة مع من فقدناهم في الحياة الدنيا .. يا ربّي يا كريم

ـ[أحاول أن]ــــــــ[26 - 03 - 2008, 02:27 م]ـ

جزاك الله خيرا ..

قرأت الكتاب المؤثر الذي وُصِف بأنه (كتاب أبي أسامة الذي يُبكي قرّاءه) في طبعة متقدمة , وسمعت ذاك الحديث الماتع الدامع عنه في قناة المجد ,, ولم أكن لأغفله ,ولكني أردت أن أحصر تعليقي هنا على القصيدة .. التي عادل عندي تأثيرها تأثير الكتاب؛ربما لاختلاف الظرف والزمان والمكان ..

أردت من تلك القراءة الطويلة أن أؤكد نقطة واحدة:

إذا كان الراحل كبيرا وقرة عين فإن الأيام لا تزيدنا بعده إلا احتياجا إليه , وشوقا للقياه ..

ــــــــــــــــــــــــــ

تنويه لا بد منه:

أستاذنا الفاضل: ما أنا بناقدة ,وهذا شرف لا أدعيه ..

كانت قراءة ذاتية انطباعية ,لا نقدية منهجية فأنا -بكل صدق لا تواضع فيه - لم أصل لهذا بعد ..

ـ[العايد]ــــــــ[29 - 03 - 2008, 02:37 م]ـ

الأخت (شجرة الطيب):

تدبرتُ قولك:

أعلمُ أيها الكريم أن السهد هو قلة النوم .. لذا قلت يقضي ليله دامعا ساهرا وحين تشرق الشمس يبكي على السهد الذي عاناه في ليله .. بينما حين يكون البكاء على السهد عند الغروب ... يبدو المعنى غريبا -على ما أحسب- إذ لم يسهد بعدُ ليبكي .. !!

فوجدته وجيهاً جداً، فبارك الله فيك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير