تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن أية دراسة تنطلق من فهمها لنصوص القرآن ينبغي أن تكون منضبطة بمجموعة من الضوابط، ومقيدة بمجموعة من المعايير التي تستلزمها دراسة من هذا النوع، حتى لا يشط الباحث بالنتائج بعيداً عما ترمي إليه نصوص القرآن، فهل لهذا اللون من ألوان التفسير ضوابط ومعايير يجب التزامها؟ أم إنّ ميدان الدراسات القرآنية مورد لكل طالب، مستباح الحمى، يكتب فيه الغادي والرائح، يقبل عليه كل واحد فيأخذ منه بالقدر الذي يخدم فيه فكره ويسند رأيه، لكن قبل ذكر هذه النقاط لا بد من الإشارة إلى أنّ هناك مجموعة من الشروط والضوابط والقواعد التي أشار إليها علماؤنا لمن أراد أن يفسِّر كتاب الله، تدخل دخولا أوليا في هذا المبحث، وحسب الباحث أن يقف على ما له صلة مباشرة بهذا اللون، فما يأتي أبرز هذه الضوابط:

1) التزام الخطاب القرآني منطلقاً ومداراً، واستقراء النصوص القرآنية في الموضوع المتحدث عنه في المواقع المختلفة، فما أجمل في مكان قد يكون له تفصيل في مواضع أخرى، فخير معين على فهم النص هو النص، إذ ما ورد في مواقع أخرى يكون مرشداً للمعنى المراد. وعلى دارس القرآن أن يجدد ثقته بالنص القرآني من حيث تكامل الموضوعات التي يعرض لها وإيفاؤها بحاجة البشرية.

2) تتبع ما صح من التفسير المأثور للنص، والاستعانة به في فهم النص، إذ كثيراً ما تطلعنا السنة على جوانب تضيء لنا طريقاً واضحاً لفهم النص، خاصة من الجانب النفسي، ولعل الباحث يكتفي في هذا بإحالة القارئ إلى الموقف الذي عرضه في الحديث من الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وكيف أن الأحاديث الواردة أوضحت لنا حقيقة معنى قوله تعالى: ? وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ .. ?، وذلك بتصوير الحدث وإبراز ذلك الضيق النفسي ثم أدركنا ذلك الشعور النفسي على الرغم من اتساع الأرض، ووجود منافذ بشرية تمثلت في دعوة ملك الروم لكعب بن مالك. إذ لولا ذلك لما وقفنا على عمق ذلك البعد النفسي الذي عاشه كعب بن مالك ?، ومثله يمكن أن يقال في فهم رحلة موسى ? في طلب العلم مع الخضر، حيث ورد تفصيلها في صحيح السنة، وغير ذلك كثير، ولهذا فإن الوقوف على نصوص من السنة أمر في غاية الأهمية لفهم كتاب الله.

3) الوقوف على بيئة نزول النص البشرية الزمانية والمكانية والنفسية والفكرية على المستويين الفردي والجماعي، وهذا يقتضي من المفسّر تصور:

? العصر الإسلامي الأول وواقع حال الذين كانت تنزل فيهم الآيات، إذ لا يخفى ما لهذا من دور في إبراز معاني النصوص وإدراك مراميها.

? الحالة النفسية التي كان عليها الناس حين نزول النص المراد دراسته، مع ملاحظة الجوانب الفكرية والاجتماعية التي كان يعيشها الذين تنزلت فيهم النصوص، إذ من شأن هذا أنْ يعين قارئ النص ومفسّره على إدراك كثير من الأسرار المتعلقة بالنص القرآني سواء في الأسلوب الذي كانت تعرضه الآيات أم في الألفاظ التي اختيرت في النص أم في الجوانب التي تعالجها النصوص القرآنية.

? الظرفان الزماني والمكاني اللذان أنزلت فيهما الآيات المرادة دراستها إذ من شأن ذلك يرشد إلى معرفة ما يلائم ظرفاً دون ظرف، وبالتالي فإن تتبع مراحل التنزيل وتصور الجوانب المتقدمة كفيل بكشف صور التلاؤم بين القرآن وبين البيئة التي نزل فيها النص القرآني على اختلافها (بشرية كانت أو مكانية أو زمانية أو نفسية أو فكرية) فلا بد من التعرف على حال العرب قبيل الإسلام ومعرفة عاداتهم وتقاليدهم.

4) الرجوع إلى الأصل اللغوي لألفاظ القرآن واستقراء معانيها اللغوي واستعمالاتها في لسان العربية، والوقوف على دلالات الكلمة واستعمالاتها الحقيقية والمجازية إضافة إلى استعمالها القرآني، فيأخذ بعين الاعتبار معانيها الاصطلاحية المستوحاة من الاستعمال القرآني، ولا يخفى ما للغة من دور في تجلية وإبراز المعاني النفسية والمرامي الخفية للفظة القرآنية، إذ لا قيمة لفهم إذا لم يكن جارياً على أصل المعنى اللغوي وفي هذا ندرك قيمة ما قاله الشاطبي حول هذا المعنى، حيث قال: "كل معنى مستنبط من القرآن غير جار على اللسان العربي فليس من علوم القرآن في شيء"، وهذا يقتضي دراسة بيئة العرب في الجاهلية والوقوف على مألوف العرب في استعمالاتهم، ويكون ذلك بالرجوع إلى أمهات المعاجم وكتب الغريب والوقوف على استعمالات الكلمة بحيث يراعى فيها ترتيب الاستعمال

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير