تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

11) ضرورة الالتفات إلى ارتباط الآية بالسياق -الاهتمام بدلالة السياق- الذي وردت فيه وعدم اجتزائها من موقعها دون النظر إلى سياق الآيات وسباقها، هذا من جهة ثم من جهة أخرى ضرورة الالتفات إلى ارتباط الآيات بموضوع السورة ككل، إذ لكل سورة موضوعها وجوّهها الذي تعرضه بأسلوبها، ولا ينبغي للمفسّر أن يغفل ارتباط الآية بذلك، فالنظر إلى السياق الذي وردت فيه الآيات كثيراً ما يرشد إلى معان نفسية تحملها نصوص القرآن ما كنا لندركها لولا ربطها بالسياق الذي وردت فيه.

? ومما ينبغي التنبه إليه في هذا المقام أن ينظر إلى مجموع القصص الوارد في السورة الواحدة والبحث عن الرابط النفسي الذي يجمعها جميعاً ويربطها بالموضوع الكلي للسورة، ولعل في الدراسة ما يرشد إلى هذا، إذ على المفسّر أن يكون شديد الحذر من اقتطاع النصوص القرآنية من سياقها فكم من فهم جزئي أدى بصاحبه إلى الزلل في التأويل، فمن الأمور الضرورية أن يربط المفسّر الآية بالغرض الذي سيقت له، ولا يتحصل هذا الغرض إلا بالوقوف على موضوع السورة، وقد جعل صاحب النبأ العظيم هذا الشرط هو الشرط الأول في خطوات المفسّر حيث قال: "إن السياسة الرشيدة في دراسة النسق القرآني تقضي بأن يكون هذا النحو من الدرس هو الخطوة الأولى فيه، فلا يتقدم الناظر إلى البحث في الصلات الموضوعية بين جزء وجزء منه، إلا بعد أن يحكم النظر في السورة كلها بإحصاء أجزائها وضبط مقاصدها". كما يلفت الشاطبي أنظارنا إلى هذا الأمر حين قال: "لا محيص للمتفهم عن ردً آخر الكلام على أوله وأوله على آخره، وإذ ذاك يحصل مقصود الشارع في فهم المكلف، فإن فرق النظر في أجزائه، فلا يتوصل بذلك إلى مراده".

? أمر آخر ينبغي التنبه إليه فيما يتعلق بالسياق هو ضرورة الالتزام في فهم الآية وفق ترتيبها في النظم دون تغيير، فلا يصار إلى تغيير لفظ الآية تقديماً وتأخيراً ليتناسب مع الفهم، إذ ما عليه النظم مقصود وما على المفسّر إلا أن يبحث عن السرّ في هذا النظم الذي جاءت عليه الآية، وكثيراً ما يكون الغرض النفسي وراء هذا الترتيب الذي عليه نظم الآية، وهذا أمر في غاية الأهمية، إذ كثيراً ما يبرز لنا النظم القرآني جوانب من الإعجاز البياني والنفسي ويلفت أنظارنا إلى معانٍ بديعة.

12) إدراك ارتباط الفاصلة بما قبلها في الآية القرآنية والجزم بكونها مقصودة من حيث لفظها وجرسها، فكم من معنى أشكل على المفسرين كانت الفاصلة فيه مرشدةً إلى المعنى، وهنا لا بد من التدبر في فواصل الآيات التي يشكل فهمها ككون الآية تتحدث عن المغفرة والرحمة فتكون فاصلتها بالعزة والحكمة، إذ ليست فواصل القرآن كلها في درجة واحدة من الظهور، بعضها ترشد الآية إلى ما ينبغي أن تكون عليه الفاصلة فتكون كذلك، وبعضها يشكل على النفوس ختم مواقع الآيات بهذه الفاصلة. وهنا لا ينبغي للمفسّر أن يعلل ما عليه النظم بكونه جيء به مراعاة للفاصلة أو ما يسمى "بالرويّ". فكم من معنى فات المفسرين بسبب إغفالهم كون ما في الفاصلة مقصوداً، وليس الجرس وحده هو السبب في الفاصلة، وقد يكون من أبرز الأمثلة على ذلك ما يشبه إجماعاً عند المفسرين من أن تأخير لفظ موسى في قوله تعالى: ?فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ?، كان مراعاة للفاصلة، فقد أشار الباحث في هذه الدراسة إلى وجود بعد نفسي وراء هذا الذي عليه النظم.

13) ضرورة النظر في لوازم النص ومقتضياته وروابطه وما يتضمنه والبحث عن مواطن الحذف إن وجد، إذ من المعروف أن بعض المعاني يدل عليها النص دلالة مباشرة، لكن هناك بعض المعاني تستفاد لزوماً ويقتضيها النص، إذ على المفسّر أن يبين هذه المقتضيات ويبرزها بما يتفق مع النص وبما يؤيد المعنى الأصلي دون تعطيل للفهم الأول المباشر من النص، هذا المعنى اللزومي هو في حقيقة الأمر ما يعرف بعلم الدلالة، وقد كان البحث في (أنواع هذا وبيان ضوابطه عند العلماء) في فصل متكامل من هذه الدراسة، ويلحق بذلك المعنى الحقيقي والمجازي. لكن لا بد من التنبه هنا إلى أن السرّ في ثراء اللفظ القرآني بالمعاني يعود إلى عدة أسباب: كالذي يحذف من النص للإيجاز ويقتضيه معنى النص، أو كالذي يشير إليه النص من طرف خفي، أو ما فهم بطريق المفهوم المخالف لمنطوق النص أو ما دلّ قياس النص على مثله أو غير ذلك مما له

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير