تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

16) البحث عن الأسرار التي يخرج فيها النص عن مقتضى الظاهر في الأساليب البيانية المختلفة، كما هو الشأن في أسلوب التأكيد في خطاب من لا يحتاج إلى تأكيد أو العكس، وكالتعبير بالماضي عن المستقبل أو وضع الضمير بدلاً من التصريح بالاسم أو غير ذلك من المباحث الكثيرة التي تبحث في أبواب البلاغة، هذا الخروج عن مقتضى الظاهر –بلا شك- يكشف الكثير من الأسرار البديعة في النظم القرآني، ومنها الجانب النفسي فهو أظهر هذه الأسرار وأبرزها، ولهذا كان على المفسّر النفسي أن يلتفت إلى هذا الأسلوب ويحاول البحث عن الأسرار التي لأجلها كان خروج النظم عن مقتضى الظاهر.

17) عدم الخوض فيما أبهمه القرآن ولم يفصّل فيه المقال، فإن القرآن لحكمة ترك ذكره، وبالتالي فإن على المفسّر التنبه لذلك وعدم اللهث وراء تبيين المبهم في آيات القرآن، وينظر على أنها لأغراض كثيرة كان هذا الإبهام، وما يهم المفسّر النفسي هو البحث في البعد النفسي لهذا الإبهام أو الإجمال وعدم التبيين.

18) أنْ لا يعتمد على الذوق وحده في فهم النص: فالإحالة إلى الذوق وحده إحالة إلى مبهم والاعتماد عليه هو اعتماد على الإحساس الفردي المباشر في التفسير. صحيح أن التذوق الفردي جانب أساسي في تلقي النص، ولكن إذا أطلق العنان لكل قارئ يستبطن ذاته لاستخراج مكنونات النصوص، فربما ينتهي هذا إلى أن نجد من تفسير النصوص ما يساوي عدد القارئين"، وفي هذه الحالة سوف نجد خلطاً بين حقيقة النص وبين موقع النص على النفس ويصعب التمييز بينهما، فيكون ما يقدمه أصحاب هذا الاتجاه لا يخرج عن تجربتهم الشخصية في فهم النص، لذلك لا بد من التمييز بين الإحساس بالنص وبين النص نفسه، على أن لا يفهم من هذا المطالبة بإلغاء جانب الشعور بالنص وتذوقه، وإنما هو الحذر من الاستغراق الصوفي –إن صحّ التعبير- فالاعتماد الكلي على هذا الإحساس "الذوق" لا يكون كافياً في الكشف عن أسرار النص القرآني من الناحية الفنية والجانب النفسي. بل قد يكون سلاحاً في يد المفسّر يستعمله كلما أعوزه التعليل الجمالي الواضح .. فالمفسّر القدير هو الذي يستطيع أن يعلو على فرديته ليدرك السرّ الجمالي في النص، ويعلل تحققه فيه رغم اختلاف الأذواق وتعدد الأمزجة الفنية.

وجملة القول إن التعليل الجمالي في تفسير النص القرآني لا ينبغي أن يستقل فيه التذوق بالدور كله، حتى لا ينتهي الأمر بالآخرين إلى العجز عن فهمه". يذكر في هذا المقام أن الاعتماد على الذوق في صياغة العبارات صياغة فنية مع الالتزام بضوابط التفسير لا ينبغي أن يعدّ من هذا اللون المذموم أو داخلاً في منهج الاستلهام -كما يسميها بعض المعاصرين - بل هو داخل في الإطار المنضبط.

عموما يجب الاعتراف بأن مسألة الذوق هذه تشكل صعوبة أمام هذا المنهج ولا يمكن إغفالها، بل هي تشكل صعوبة أمام أي منهج كما قرره بعض الذين كتبوا عن المنهج. ومع هذه الصعوبة فإنه لا بد من حضور مسألة التذوق الشخصية هذه، لكن بالقدر الذي يبقى خارجاً عن إطار التأثير في النص، ذلك أننا إذا رفضنا ما ينتج من استجاباتنا الخاصة وذوقنا، فإننا بذلك نقع في شباك ذوق الآخرين واستجاباتهم. فالمهم أن لا نجعل من أذواقنا ومشاعرنا الخاصة محوراً يدور حوله النص، وعليه فلا بد من المراجعة والتمحيص والنظر في أقوال الآخرين والاستئناس بها، كما أنه لا ينبغي أن ننشد المعنى بطريق الذوق إلا في حالة استنفادنا للوسائل الأخرى. فالذوق ظاهرة فردية لا تخضع لمعايير عامة، يتدخل فيه عوامل كثيرة محيطة بالإنسان، وكثيراً ما تختلط به الأهواء والنزوات ولا سبيل لإخضاع أحكامه لمنطق واضح، فيصبح كما يقولون "كل يغني على ليلاه". يجدر بالذكر أن الجرجاني اعتمد على عنصر الذوق لدى "القارئ وعملية التأثير فيه" واعتمد على تنبه الحسّ اللغوي لزنة الأساليب ودرك خصائصها، ونجد ذلك يبرز أكثر عند حديث الجرجاني عن التشبيه والاستعارة والتمثيل فهو يبرز النزع النفسي في فن البلاغة، ويشير إلى أن العمدة في إدراك البلاغة هو الذوق والإحساس الروحاني. ومن المحدثين نجد أن أمين الخولي عند حديثه عن الإعجاز أشار إلى أن الإعجاز لا يعلل فهو يُدرك بالذوق وطول الممارسة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير