تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

19) توظيف ما استقرت عليه العلوم الحديثة من حقائق في فهم النص، خاصة في الجانب النفسي، وهنا ينبغي التنبه إلى ضرورة الالتزام بالنص القرآني دون ليّ النصوص في الفهم أو تأويل بما ينسجم أو يتناسب مع حقيقة من الحقائق العلمية الحديثة، وفي هذا يبرز دور المفسّر في جعل نصوص القرآن هي المدار والمحرّك والحاكم، "فالمعالجة الصحيحة أن تكون آيات الكتاب حاكمة لا محكومة وأن يكون النص صريحاً لا شطط في تأويله وأن يكون كلام الله موضع السيطرة الشاملة والكلمة النافذة في كل اتجاه"، وهنا يجب الحذر من أن يكون منطلق المفسّر متجهاً نحو الحقائق العلمية ثم تنزيل النصوص القرآنية عليها، بمعنى إلباس هذه الحقائق العلمية ثوب الشرعية ثم السير بالنصوص تجاه تفصيلاتها، فيكون التكلف بارزاً، فالتكلف في تنزيل الآية إلى النظرية العلمية ينشأ –كما يقول سيد قطب- عن: الهزيمة الداخلية، وسوء فهم طبيعة القرآن، فتؤدي بالتالي إلى التأويل المستمر والتمحل والتكلف. حيث يجب استخدام هذا الأسلوب النفسي خاصة في البحث البلاغي بلا مغالاة حتى لا تفقد العلوم صفاتها الأساسية وتذوب بعضها في بعض، كما ينبغي الحذر من الانخراط أو الاندفاع وراء تيار المصطلحات النفسية، خاصة تلك التي لا تثبت على حال كنظريات العلم التجريبي وفروضه، إذ من الضروري التفرقة بين نوعين من الثقافة النفسية:

? أولهما يستوحي الفطرة الإنسانية والذوق العام والنشاط الوجداني على اختلاف صوره.

? والثاني يفرض أفكاراً معينة عن طبيعة النفس البشرية عن طريق دراسة بعض الظواهر المرضية وغيرها.

20) كما ينبغي ضرورة الموازنة بين حقيقة النص وبين موقعه من النفوس، وغاية ما يمكن أن يقال في هذا المقام إن على المفسّر أن يكون واسع الاطلاع على ما استجد من العلوم الحديثة ويربطها بنصوص القرآن، ويلفت الأنظار إلى دقة الإعجاز القرآني فيما ثبت واستقر، وأن لا يكون همه أن يسارع إلى إثبات الشرعية على مذهب واحد بنصوص من القرآن، والحذر من أن يكون المفسّر قد دخل عالم التفسير بمقررات سابقة فهو ينطلق منها، ويلوي أعناق النصوص بما يتناسب والأفكار التي يؤمن بها، فعلى صاحب الفكرة أن يقنع نفسه بأن ما عنده من أفكار واتجاهات ليست كلها معصومة، بل عليه أن يخضعها لأصح موازين النقد وأدقها، وأبعدها عن الهوى والقناعات أو الارتباطات المسبقة، وكل ما هو مطلوب من مفسّر هذا اللون الاستعانة بالمعارف العلمية التي استقر أمرها، والمتاحة في عصر المفسّر.

21) لكي تبقى هذه الدراسة في مأمن من الخطر فإن المنهج الأسلم: أن تسير الدراسة النفسية جنباً إلى جنب مع علوم البلاغة كما كانت هذه المحاولة بارزة في هذه الدراسة- لكن في الوقت ذاته فإنه لا بد أن تكون هذه الصلة بحدود حتى لا تتحول البلاغة إلى قواعد نفسية، أي ينبغي أن تحدث هذه العلاقة بلا مغالاة حتى لا تفقد العلوم صفاتها الأساسية وتذوب في بعضها.

22) ضرورة التعرف على مدلول اللفظة واستخدامها في عصر النزول فإن ذلك كثيراً ما يعين على الظلال التي تنشرها تلك اللفظة، وعلى المفسّر الحذر من إسقاط الفهم المعاصر للمدلول اللفظي، فمما لا شك فيه أنه بتقادم الزمن أخذت مدلولات الكلمة تتسع وربما أصبحت المعاني التي تعطيها في هذا الزمان تبعد نوعاً ما عن معناها الأصلي على الأقل في ظلالها، وهذه نقطة مهمة فعلى سبيل المثال قد يحيط بالكلمة ظروف معينة فيكون النهي عن استخدامها كالحال في لفظ (راعنا) وأمر المسلمين باستبدالها بـ "انظرنا". وكم يقع المفسّر أسير المصطلحات الحديثة فيسقط فهمه على النصوص من واقع المصطلحات الحديثة، هذا الضابط عوّل عليه أصحاب المنهج الأدبي كثيراً حتى أنهم يرفضون أي فهم لم يكن منطلقه من المعنى الذي كان معروفاً عند النزول.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير