النوع الثاني: التفسير من قوله مما لا يرويه عن غيره، فهذا يؤخذ ويُكتب عنه؛ لأنه عالم بالتفسير، وإمام فيه، ومن أهل العربية؛ فيستفاد منه في التفسير وبمعرفة الوجه المقصود في الآية من قوله، لا مما يحكيه.
ما يرسله ابن جريج عن ابن عباس
ومن الرواة أيضًا عن عبد الله بن عباس:
ما يرويه " ابن جريج " عنه ولا يُسنِدُه؛ ولم يسمع منه، إلا أنه سمع من جملة من أصحاب ابن عباس المفسرين، وتقدم الكلام على ذكرهم، وكثير من الرواة ربما لا ينشط في إسناد الحديث، ولا يعتمد على ذكر إسناد لوضوح اللفظ؛ وإنما يجعله من قوله، كابن جريج، وكذلك - كما تقدم - مجاهد بن جبر يجعل التفسير من قوله لمثل هذه العلة. ومثلهم: قتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وإن كان جُلُّ تفسيره عن أبيه زيد بن أسلم، وقتادة فَإِنَّه يروي عن أنس بن مالك، ويروي عن غيره من الصحابة، لكنه يجعل التفسير من قوله ولا يُسنده إلى من سمع منه في كثير من المواضع؛ إمَّا لظهور المعنى، فلا يحتاج إلى أن يعزى لبيانه وجلاؤه، ولعل هذا من العلل الظاهرة والأسباب التي تجعل هؤلاء الرواة لا يسندون الأسانيد عمن أخذوا القول عنه؛ لأن المعنى المحكيَّ عنهم محل تسليمٍ عند السامع.
رواية العوفي عن ابن عباس
ومن الأسانيد عن عبد الله بن عباس:
رواية " عطية العوفي ". وهذا الإسناد إليه يُرْوى من طريق واحدة، قد أسنده ابن جرير الطبري في تفسيره وغيره، وهو من حديث محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية بن سعد العوفي يقول: حدثنا أبي، قال: حدثنا عمي، قال: حدثنا أبي عن أبيه عطية العوفي، عن عبد الله بن عباس.
وهذا الإسناد صحيح، ما لم ينفرد بحكم وأصل، وإن كان الرواة ممن ضعفهم الأئمة، وعلى رأسهم عطية، ولكنهم في التفسير عن عبد الله بن عباس حديثهم من كتاب، وتسمى صحيفة عطية العوفي في التفسير، وفيها أحاديث مسندةٌ كثيرة في التفسير عنه، بل فيها نحو ربع ما يروى عن ابن عباس في باب التفسير.
ومن المهم جدًا العناية بالنُّسَخ والأجزاء والصحف التي تروى في التفسير، ولو اعتنى وانبرى لها من يجيد النظر في الأسانيد على منهاج الأئمة النقاد، وميز المنكر من الأقوال من غيرها حتى يحكم على أمثال هذه الأجزاء، لكان في ذلك نفع كبير، ويعطي معرفة بالرواة الذين يقع لديهم الوهم والغلط عن غيرهم من الحفاظ الأثبات. وقد اعتنى الأئمة بالأجزاء الحديثية، ولم يعتنوا بالأجزاء والنسخ في التفسير كما اعتنوا بها، بل يحكُونها هكذا من غير جمع، فلو جُمِعَت وأُخْرِجَ ما يتعارض مَعَ ظواهر الأدلة من الكتاب والسنة، وما يُحْمَل على الشاذ، لبان فضلُ كثيرٍ منها مما يطَّرِحُه المتأخرون، ولا يعتنون به، ويُعلُّونه بعلل مدفوعة.
وما ينفرد فيه العوفيُّ ويخالف ثقات أصحاب عبدالله بن عباس، فإنه يُرَد، وهذا ما بينه البيهقي في "معرفة السنن والآثار"، فقال عمَّا رُوي عن ابن عباس من أن الفداء منسوخ بقوله: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)، قال: فإنه لم يبلغْني عنه بإسناد صحيح، إنما هو عندي في تفسير عطية العوفي برواية أولاده عنه، وهو إسناد ضعيف أ. هـ.
التفسير عن عبدالله بن مسعود
ومن أئمة التفسير من الصحابة:
عبد الله بن مسعود:
وهو من العلماء في التفسير، ويكفينا ما جاء في صحيح البخاري من فضله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:استقرؤوا القرآن من أربعة: من عبدِ الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حُذيفَة، وأُبيِّ بن كعب، ومُعاذِ بن جَبَل».
وروى الإمام مسلم من حديث أبي الأحوص قَالَ: كنا في دار أبي موسى مع نفر من أصحاب عبدالله. وهم ينظرون في مصحف، فقام عبدالله، فقال أبو مسعود: ما أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك بعده أعلم بما أنزل الله من هذا القائم. فقال أبو موسى: أما لئن قلت ذاك، لقد كان يشهد إذا غبنا، ويؤذن له إذا حجبنا. أي: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان من أعلم الناس بالتأويل، ومن أقلِّ الصحابة نقلاً عن أهل الكتاب الإسرائيليات.
وثمة مرويات كثيرة عنه في التفسير، منها: ما يشترك مع عبد الله بن عباس، ومنها ما ينفرد بها.
ما يشترك فيه ابن مسعود مع ابن عباس في أسانيد التفسير
¥