وقد تقدم الإشارة إلى إسنادٍ يشترك فيه عبد الله بن مسعود مع عبد الله بن عباس، وهو رواية عطاء بن السائب عن سعيد عنهما، وكذلك السدي يروي عنهما بواسطة مختلفة، عن ابن مسعود بواسطة مُرة بن شراحيل الهمداني، وعن ابن عباس بواسطة أبي مالك وأبي صالح.
ومن طريق السُّدي عن مرة عن ابن مسعود أكثر تفسير ابن مسعود، وفيها غرائبُ ومنكراتٌ.
أصح أسانيد التفسير عن ابن مسعود
وأصح الأسانيد عن عبد الله بن مسعود: ما يرويه أبو الضُّحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود. وهذا أصح على الإطلاق، ومنها وهو صحيح وقد أخرجها البخاري في الصحيح عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود، ويأتي بعدها ما تقدم ذكره من الأسانيد، وجملةٌ منها في عِداد الواهي والمنكر.
ومن يعتني بفقهه من أصحاب ابن مسعود، كعلقمة والأسود وأبي الأحوص والشعبي وعَبيدة بن عمرو السَّلماني والربيع بن خُثيم، وغيرهم لهم مرويات عنه في التفسير، وهي في غاية الصحة، ومثلهم النخعي، وإن لم يدرك ابن مسعود، وبين هؤلاء الكبار: علقمة والأسود والنخعي قرابةٌ وصلةٌ، تزيد قوة لأسانيدهم ومتانةً لها، فعلقمة عمّ أم النخعي، والأسود خال إبراهيم، وعلقمة عم الأسود، والقرابة في الأسانيد قرينة لشدة الضبط، ومعرفة مقاصد المتحدث، وأشد سبراً لحاله من غيره.
تفسير علي بن أبي طالب
ومن أئمة الرواية في التفسير من الصحابة:
علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
وهو أكثر الخلفاء الراشدين رواية في التفسير، لا لقلةٍ في معرفتهم به، بل لتقدُّم وفاتهم، وسلامة لسان أهل عصرهم، وقد تأخر الأمر بعلي حتى احتاج الناس للتفسير.
وأصح الأسانيد عنه في التفسير: هو ما يرويه هشام بن عروة عن محمد بن سيرين عن عَبيدة السلماني عن علي بن أبي طالب.
وكذلك من الصحيح أيضًا ما يروية ابن أبي الحسين عن أبي الطفيل، عن علي بن أبي طالب، وما عدا ذلك، فهو بين الضعيف والمنكر في الغالب، وبعضها ما يستقيم معناه وَيُمَشَّى حاله.
تفسير أبي بن كعب
ومن الأئمة في التفسير:
أُبي بن كعب: وهو من الأئمة في علوم القرآن ومعرفتها، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اسْتَقْرِؤوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ ... ) وذكر منهم (أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ .. ) وقد أبلغه الله جل وعلا بواسطة نبيه عليه الصلاة والسلام، كما روى الترمذي، فقال: ?? أَسْمَانِي الله جَل وَعَلا؟ قَالَ: نَعَمْ. فبكى رضي الله عنه.
وأمثل الأسانيد إلى أُبَيِّ بن كعب: ما يرويه أبو جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية رُفيْع بن مِهران، عن أُبي بن كعب، وإن كان فيها ضعفٌ، لكنها في التفسير صحيحةٌ، لأنها نسخة كبيرة منقولة، أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم منها كثيراً، وكذا أخرج الحاكم في مستدركه وأحمد في مسنده منها شيئاً.
أختصاص بعض الرواة بمفسِّرٍ واحد
وينبغي على المتعلم لهذا الباب أن يعلم أن بعض الرواة في التفسير لا يكون له عنايةٌ إلا بشخص واحد، فعليه المدار؛ سواء ممَّا لا ينسبه من التفسير، أو ما ينسبه لذلك الشخص؛ فالربيع بن أنس لم يرو في التفسير إلا عن أبي العالية فقط ليس له رواية عن غيره، وليس له عناية بغيره، كذلك السُّدِّي ليس له رواية - على الإطلاق - في التفسير إلا عن عبد الله بن عباس، وعن ابن مسعود شيئاً يسيراً، وإن لم ينسبه فهو عنهما في الأغلب؛ فإن نفسه هو نفس عبد الله بن عباس، وكذلك فإن جل تفسيره من طريق أسباط بن نصر.
التمييز بين السدي الكبير والصغير
وثمَّ سُّدِّيان: الكبير والصغير.
أما الكبير: فهو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي، أبو محمد القرشي الكوفي الأعور، أصله حجازيٌّ سكن الكوفة، وكان يقعد في سُدَّةِ باب الجامع بالكوفة؛ فسُمِّي السُّدي، وهو إمام في التفسير، وفد وثقه الإمام أحمد في رواية أبي طالب، وكذلك العجلي وابن حبان، وَعَدَّلَه جماعة؛ كالنسائي وابن عدي في كتابه "الكامل" وغيره.
وأما الصغير: فمحمد بن مراون، وهو الراوي عن الكلبي تفسيره وهو ضعيف.
وإذا أطلق السُّدي في التفسير، فهو الكبير، وأما الصغير فهو راوٍ وليس مفسراً.
والسدي الكبير له أصحاب يروي عنهم التفسير؛ وهم:
أبو مالك غزوان بن مالك.
وأبو صالح باذام مولى أم هانئ.
ومُرَّة الهمداني.
يروي عن الأولَيْن تفسيرَ ابن عباس، وعن الثالث تفسير ابن مسعود.
ويروي عنه أسباط بن نصر.
¥