ولا يخفى عليك ـ أخي القارئ ـ دقَّة هذا العمل وصعوبته ومسؤوليته، وكنت أُعيد النظر في كل كلمة وجملة مرّات متعددات، وزاد مشقَّة هذا العمل الالتزام بمقدار معيَّن مُحدَّد في حاشية المصحف الشريف. فكنتُ في كثير من الأحيان أعدُّ الكلمات، وأقيس الصفحة، لتأتي الآيات في مكانها المحدَّد ولو كان المكان مُتَّسعاً لجرى القلم بيسر وسهولة. والله ـ سبحانه ـ وحده يعلم قدر ما بذلت من جهد، فكم كتبت وشطبت! وكم أمعنت وفكرت! وكم تأملت ونظرت!. وكم قدمت وأخرت!.
لا يعرف البحث إلا من يكابده ولا الكتابة إلا من يعانيها.
المستفيدون من هذا التفسير:
واجتهدتُ أن يكون هذا التفسير مُخاطباً لعموم المثقفين، ولا سيما خرِّيجي الجامعات العلمية، محاولاً أن أُقرِّب إليهم الكثير من معاني الآيات الكريمة، لتكون خطوة نحو فهم عميق، وتدبُّر دقيق للكتاب الكريم.
وقد يجد المتخصِّصون من طلبة العلم الشرعيِّ في هذا التفسير ما يروق لهم، ويسّرهم مما وفقني الله سبحانه إلى كتابته واختياره.
ولكن لا بدَّ للاستفادة من هذا الكتاب من إعمال الفكر، ومعاودة النظر، وبذل الجهد، إذ لم يكن عملي مجرَّد اختصار وإعادة ترتيب، بل فيه من دقائق النظر، وبدائع الفِكر ما يدعو إلى بذل الجهد، لا الاقتصار على القراءة العابرة السطحيَّة.
اعتذار ورجاء:
ولا يخلو عملي ـ على ما بذلتُ من جهد ـ من قصورٍ، كيف وهو يحاول أن يسمو لتدبُّر كلام الله سبحانه وتعالى. وإذا كان الكاتب في مختف مجالات العلوم والتأليف، يزيزد وينقص، ويؤخر ويقدِّم، كما يقول: القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني ـ (ت: 596) رحمه الله تعالى ـ فيما كتبه إلى نائبه في وزارة الكتابة الأديب الشهير العماد الأصفهاني ـ (ت: 597) رحمه الله تعالى ـ. كتب إليه يقول: "إني رأيتُ أنه لا يكتب إنسانٌ كتاباً في يومٍ إلا قال في غدِّه: لو غُيِّر هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان يُستحسن، ولو قدِّم هذا لكان أفضل، ولو تُرك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليلٌ على استيلاء النقص على جُملة البشر" ([12]).
فكيف إذا كانت الكتابة تتعلق بكلام الله وتدبُّره في وقتٍ معدود، ومكان محدود.
وأرجو أن يكون هذا العمل باكورة لأعمال أخرى تتعلَّق بكتاب الله عز وجل وعلومه، وأن يتقبَّل مني هذا الجهد، ويُثيبني عليه، ويكرمني بكرامته ورضوانه.
أهم القواعد التي التزمت بها في هذا التفسير:
وقد اجتهدت خلال كتابتي لهذا التفسير التدبُّري الموجز على الاهتداء بجملة قواعد هادية تعين على تدبر كلام الله سبحانه بطريقة مُثلى، وصورة فُضلى، ومن تلك القواعد التي اجتهدت في الالتزام بها، وإيرادها في هذا التفسير التدبير:
1 - الاستفادة مما صحَّ من التفيسر المأثور، والنظر فيما ورد من أقوال المفسرين المعتمدين، واعتماد ما هو راجح.
2 - النظر فيما ورد من أسباب النُّزول، مما صحَّ سنده مع مراعاة قاعدة: "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب" ومراعاة دلالة السياق والقرائن التي تدلُّ على تخصيص العام.
3 - اخترتُ من معاني الكلمات القرآنية المعنى المراد الذي يُلائم دلالة النصِّ القرآني بوجْهٍ عام، وكما هي في كلام العرب في عصر نزول القرآن، وابتعدتُ عن المعاني الاصطلاحية المتأخرة عن عصر التنزيل، مع النظر فيما قاله أهل التفسير في معنى الكلمة، للاهتداء إلى فهم المعنى المراد بتوفيق الله تعالى.
4 - حمل النص على كل المعاني إذا كانت الكلمات أو الجمل القرآنية تدل على أكثر من معنى، وعدم قصر النصِّ على واحد منها دون غيره، تمشياً مع عطاء القرآن الثَّر، الذي لا تنقضي عجائبه، ولا تنضب معانيه.
5 - تكامل النصوص القرآنيَّة، والتأسيس في كل نصٍّ منها مقدم على التأكيد، واستبعاد احتمال التكرير لمجرَّد التأكيد ما أمكن.
6 - ملاحظة قواعد اللغة العربية، وتوجيه الآيات التي يُخالف إعرابها مقتضى الظاهر، والإشارة إلى الحكمة من ذلك من خلال التفسير، كما في تفسير الآية (177) من سورة البقرة، والآية (162) من سورة النساء، والآية (69) من سورة المائدة.
7 - استجلاء الغرض الفكري من الوجوه البلاغيَّة التي اشتملت عليها نصوص القرآن، مع الإيجاز الشديد والاقتصاد في العبارة، والتنبيه على أغراض الاختلاف في أسلوب التعبير في النصوص القرآنية.
¥