2. التساوي في القوة فلا - يجوز الترجيح- بحال بين المتواتر والآحاد بل يقدم المتواتر بالاتفاق كما نقله إمام الحرمين.
3. اتفاقهما في الحكم مع اتحاد الوقت والمحل والجهة فلا بحال- يجوز الترجيح- بين النهي عن البيع مثلا في وقت النداء مع الإذن به في غيره.
وهذه الشروط المذكورة وإن كان الشوكاني قد ذكرها للترجيح بين الأدلة المتعارضة إلا أنه يمكن تنزيل الآراء المتعارضة في التفسير عليها أيضا.
* وجوه الترجيح كثيرة مبثوثة في كتب الأصول والتفسير، وعلوم القرآن، ومصطلح الحديث، وبعض كتب اللغة والبلاغة، وغيرها، وسوف أُعَرِّج هنا على بعضها، وذلك أن الترجيح قد يكون باعتبار الاسناد، وقد يكون باعتبار المتن، وقد يكون باعتبار المدلول، وقد يكون باعتبار أمر خارج فهذه اربعة انواع 0
ومن صور الترجيح:
1 - الترجيح بكثرة الرواة فيرجح ما رواته اكثر على ما رواته اقل لقوة الظن به، ويصدق هذا في التفسير الأثري حين تتعدد الروايات الواردة في تفسير آية 0
2 - ومنها أيضا عدالة الرواة فإنه رُبَّ عدل يعدل ألف رجل في الثقة كما قيل: إن شعبة بن الحجاج كان يعدل مائة ويلحق بذلك عدالة القائلين بالرأي في تفسير آية فإن رأيهم يقدم على سواهم0
4 - ترجيح رواية ورأي من كان فقيها على من لم يكن كذلك لأنه أعرف بمدلولات الالفاظ0
5 - ترجيح رواية من كان عالما باللغة العربية لأنه أعرف بالمعنى ممن لم يكن كذلك0
6 - ومنها تقديم التفسير الذي يُبْقى اللفظ على حقيقته على الذي يصرفه إلى المجاز، وهذا إذا لم يدل دليل على تقديم المجاز وترجيحه، وعليه فإنه يقدم ما كان حقيقة شرعية أو عرفية على ما كان حقيقة لغوية، إلا إن دل الدليل على خلاف ذلك0
7 - ومنها انه يُقدَّم من التفسير ما كان مستغنيا عن الإضمار في دلالته على ما هو مفتقر إليه0
8 - ومنها انه يقدم الدال على المراد من وجهين على ما كان دالا على المراد من وجه واحد0
9 - ومنها انه يقدم ما دل على المراد بغير واسطة على ما دل عليه بواسطة 0
10 - ومنها انه يقدم التفسير الذي يكون فيه الإيماء إلى علة الحكم على ما لم يكن كذلك، لأن دلالة المعلل أوضح من دلالة ما لم يكن معللا0
11 - ومنها انه يقدم التفسير الذي يعتمد على الأَشْهَر في الشرع أو اللغة او العرف على غير الأَشْهَر فيها0
12 - ومنها انه يقدم ما عضده دليل على غيره0
13 - ومنها انه يقدم ما عمل عليه أكثر السلف على ما ليس كذلك لأن الأكثر أولى بإصابة الحق0 وقد لاقى هذا الوجه اعتراضا يفيد أنه لا حجة في قول الأكثر ولا في عملهم فقد يكون الحق في كثير من المسائل مع الأقل ولهذا مدح الله القلة في غير موضع من كتابه قاله الشوكاني في إرشاد الفحول0
هذا وإننا لن نستطيع استيعاب كل المرجحات هنا، ومن ثم سأكتفي بما ذكرت وذلك لأن وجوه الترجيح كثيرة، وحاصلها أن ما كان أكثر إفادة للظن فهو راجح فإن وقع التعارض في بعض هذه المرجحات فعلى المفسر أن يرجح بينها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، هذا إن لم يمكن الجمع بين الآراء، أو كان اللفظ لا يحتملها جميعا0
* ولابن الأثير في " المثل الثائر " كلام طيب في الترجيح من جهة البلاغة وما يترتب عليها من معان أَجْتزئ هنا بعضه، حيث قال فيه:
وهذا الفصل – أي الترجيح بين المعاني - هو ميزان الخواطر الذي يوزن به نقد درهمها ودينارها، بل المحك الذي يعلم منه مقدار عيارها ولا يزن به إلا ذو فكرة متَّقدة ولمحة منتقدة، فليس كل من حمل ميزانا سمي صرافا ولا كل من وزن به سمي عرافا، والفرق بين هذا والترجيح الفقهي أن هناك يرجح بين دليلي الخصمين في حكم شرعي، وههنا يرجح بين جانبي فصاحة وبلاغة في ألفاظ ومعان خطابية، وبيان ذلك أن صاحب الترجيح الفقهي يرجح بين خبر التواتر مثلا وبين خبرالآحاد أو بين المسند والمرسل أو ما جرى هذا المجرى، وهذا لا يعرض إليه صاحب علم البيان لأنه ليس من شأنه، ولكن الذي هو من شأنه أن يرجح بين حقيقة ومجاز أو بين حقيقتين أو بين مجازين ويكون ناظرا في ذلك كله إلى الصناعة الخطابية، ولربما اتفق هو وصاحب الترجيح الفقهي في بعض المواضع كالترجيح بين عام وخاص أو ما شابه ذلك0 ولا يخلو الترجيح بين المعنيين من ثلاثة أقسام:
إما أن يكون اللفظ حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر، أو حقيقة فيهما جميعا، أو مجازا فيهما جميعا، وليس لنا قسم رابع.
¥