تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والترجيح بين الحقيقتين أو بين المجازين يحتاج إلى نظر، وأما الترجيح بين الحقيقة والمجاز فإنه يعلم ببديهة النظر لمكان الاختلاف بينهما والشيئان المختلفان يظهر الفرق بينهما بخلاف ما يظهر بين الشيئين المشتبهين، فمثال الحقيقة والمجاز قوله تعالى: {ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون * حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون} (فصلت: 19، 20) فالجلود ههنا تفسر حقيقة ومجازا، أما الحقيقة فيراد بها الجلود مطلقا وأما المجاز فيراد بها الفروج خاصة 000إلخ

* ومما اعتمد قانونا في الترجيح بين الأقوال في التفسير قول الزركشي الآتي وهو:

كل لفظ احتمل معنيين فصاعدا فهو الذي لا يجوز لغير العلماء الاجتهاد فيه، وعلى العلماء اعتماد الشواهد والدلائل، وليس لهم أن يعتمدوا مجرد رأيهم فيه – أي دون ما يدعمه - وكل لفظ احتمل معنيين فهو قسمان:

أحدهما. أن يكون أحدهما أظهر من الآخر فيجب الحمل على الظاهر إلا أن يقوم دليل على أن المراد هو الخفي دون الجلي فيحمل عليه0

الثاني- أن يكونا جليين والاستعمال فيهما حقيقة وهذا على ضربين:

1 - أن تختلف أصل الحقيقة فيهما فيدور اللفظ بين معنيين هو في أحدهما حقيقة لغوية وفي الآخر حقيقة شرعية فالشرعية أولى إلا أن تدل قرينته على إرادة اللغوية نحو قوله تعالى: {وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} (التوبة:103) وكذلك إذا دار بين اللغوية والعرفية فالعرفية أولى، ولو دار بين الشرعية والعرفية فالشرعية أولى لأن الشرع ألزم 0

2 - ألا تختلف أصل الحقيقة بل كلا المعنيين استعمل فيهما في اللغة أو في الشرع أو العرف على حد سواء وهذا أيضا على ضربين:

أ- أن يتنافيا اجتماعًا ولا يمكن إرادتهما باللفظ الواحد كلفظ " القرء " حيث هو حقيقة في الحيض والطهر فعلى المجتهد أن يجتهد في المراد منهما بالأمارات الدالة عليه فإذا وصل إليه كان هو مراد الله في حقه وإن اجتهد مجتهد آخر فأدَّى اجتهاده إلى المعنى الآخر كان ذلك مراد الله تعالى في حقه لأنه نتيجة اجتهاده وما كلف به فإن لم يترجح أحد الأمرين لتكافؤ الأمارات، فقد اختلف أهل العلم فمنهم من قال: يخير في الحمل على أيهما شاء، ومنهم من قال: يأخذ بأعظمهما حكما، ولا يبعد اطراد وجه ثالث، وهو أن يأخذ بالأخف كاختلاف جواب المفتين0

ب - ألا يتنافيا اجتماعًا فيجب الحمل عليهما عند المحققين ويكون ذلك أبلغ في الإعجاز والفصاحة وأحفظ في حق المكلف إلا أن يدل دليل على إرادة أحدهما وهذا أيضا ضربان:

1 - أن تكون دلالته مقتضية لبطلان المعنى الآخر فيتعين المدلول عليه للإرادة0

2 - ألا يقتضي بطلانه وهذا اختلف العلماء فيه فمنهم من قال يثبت حكم المدلول عليه ويكون مرادا ولا يحكم بسقوط المعنى الآخر، بل يجوز أن يكون مرادا أيضا وإن لم يدل عليه دليل من خارج لأن موجب اللفظ عليهما فاستويا في حكمه، وإن ترجح أحدهما بدليل من خارج، ومنهم من قال: ما ترجح بدليل من خارج اثبت حكما من الآخر لقوته بما ظاهره الدليل الآخر0 فهذا أصل نافع معتبر في وجوه التفسير في اللفظ المحتمل والله أعلم أ0هـ البرهان

ـ[الخطيب]ــــــــ[10 Apr 2010, 04:39 ص]ـ

وأما عن مقترحكم إضافة مصطلح الاختيار، وبيان معنى الاختيار في التفسير، فهذا ما سأضيفه إن شاء الله في الطبعة القادمة للكتاب، وهو مدون عندي في القائمة، التي سأضيفها إن شاء الله تعالى.

وقد أشرتم إلى رأيي في الاختيار من جهة أنه لا يختلف عن الترجيح في استعمال العلماء إلا فيما يمكن أن نعبر عنه بعمبلية الالتزام الذاتي من قبل عالمٍ ما، في فنٍ ما، كالالتزام بالمذهب في الفقه، أو في القراءات، أو في النحو، أو حتى في العقيدة، فإن كل عالم في اختياره ما يوافق مذهبه في الجملة، لا يعد سلوكه هذا ترجيحا، لأنه اختيار مسير سببه الالتزام بالمذهب، وليس الترجيح الجزئي لرأيٍ ما، في مسألةٍ ما.

ويمكنك الاسترشاد بما ذكرته في المعجم 1/ 92 تحت مادة "اختلاف المفسرين" وانا أعدد الصور التي لا يعتد بها في الاختلاف بينهم، فقد قلت:

الصورة الخامسة: اختلاف القراء فيما ينقلون من روايات لا يعد اختلافاً لأنه لا عمل لهم ولا اجتهاد في ذلك، فهم مجرد حلقة في سلسلة من مجموعة سلاسل عملت على نقل القراءات عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وإذا كان اختلاف القراءات غير معتبر لأن كل واحد من القراء لم يقرأ بما قرأ به وهو ينكر غير قراءته، بل يقر بإجازته وصحته، ولم يقع الخلاف بين القراء إلا في الاختيار فقط مع اتفاقهم على مبدأ قبول الكل لكونه منقولاً ما دام مستوفياً شروط القبول.

وعلى ذلك فإذا كان اختلاف القراءات غير معتبر، فإن الخلاف الناشئ عنها -أي عن الثابتة منها - غير معتبر كذلك. ا. هـ

ولأنه لم يثبت لدي فرق بين الترجيح والاختيار إلا فيما ذكرت، فقد درجت على المساواة بينهما كلما لاح أمامي التعبير بهما أو بأحدهما، ومن ذلك أني مما كتبته تحت مصطلح "الاستدراك في التفسير" 1/ 113ما نصه:

ويخلط البعض بين الاستدراك والترجيح أو الاختيار. والصواب أن الجهة منفكة بين المصطلحين فإذا كان الاستدراك متجها إلى الأقوال الخاطئة أو المخطئة بقصد تصويبها، فإن الترجيح يتجه إلى الأقوال القوية بهدف اختيار الأرجح.

وستأتي شروط الترجيح في محلها (انظر: الترجيح)

وإذا كان طرفا الاستدراك: "خطأ، وصواب" فإن طرفي الترجيح: "راجح ومرجوح". ا. هـ

وهذا هو رأيي في النسبة بين الاختيار والترجيح، فبعيدا عما أسميته بالالتزام الذاتي، يبقى الاختيار والترجيح متلازمين، فالعالم لا يختار من المسائل التفصيلية إلا ما ترجح لديه، فإذا قال: والاختيار عندي كذا، أو نحو هذا، لزم ضرورة أن هذا ما ترجح لديه. والله أعلم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير