& oacute; أن الدراسة الموضوعية لمفاهيم الأوامر التكليفية - مادة وصيغا وأساليب - ضمن مجالات الحياة الإنسانية, الفكرية والخلقية والعملية, بينت بوضوح أن تلكم الأوامر ركزت الاهتمام على ترسيخ أصول الإيمان, وتشريع أركان الإسلام, وما تعبدنا الله به من الدعاء وتلاوة القرآن, وتثبيت محاسن الخلال، ولاسيما الاستقامة, والعدل, والإحسان , وصلة الأرحام , وتأسيس قواعد المعاملات في شتى مناحي الحياة, وخاصة المشاورة في الأمر, وأداء الأمانات في الولايات والأموال, والعدل بين الناس في الأحكام, والاستيثاق في الدين, والتعاون بين الأفراد والجماعات في الحرب والسلم, والمودة والرحمة بين الأزواج ...
ومن خلال عرض تلكم الأوامر، أبرزت الدراسة وحدتها وتكاملها، بشكل يدعو الإنسان إلى امتثالها جميعا؛ لبلوغ كماله المادي والمعنوي, ورصدت تنوع صيغها وأساليبها, واختلاف مكيها عن مدنيها من حيث التفصيل والإجمال, وذلك وفق أهمية المأمور به, وظروف التنزيل, وأحوال المخاطبين في مكة والمدينة, وفي كل مكان وزمان.
وبالجملة، فإن الدراسة قد أسهمت في الكشف عن أعظم مظاهر وحدانية الألوهية, ورحمتها بالإنسان, وحكمتها في تشريع الأحكام, وعرفت بأوجب واجبات عبودية هذا الإنسان اتجاه تجلي ربوبية مولاه.
بتحليل موضوع الأمر الشيطاني, تم تشريح سمات المفهوم الدلالية بدراسة مصطلحية لمفاهيم لها وثيق الصلة بمفهومه؛ ك"الوسوسة", و"التزيين", و"التمنية", و"السلطان", فتبينت علاقته بها، وتعزز موقعه منها, وخلص البحث إلى تأكيد مفهوم أمر الشيطان, وتوسيعه, والتركيز على عدميته, ونفي تأثيره. وبمقتضى هذا النظر المفهومي, تم تحليل متعلقاته داخل النصوص؛ ك"السوء", و"الفحشاء", و"القول على الله بلا علم", و"تغيير خلق الله", وتجلية الأسباب الكامنة وراء الأمر بذلك؛ حيث تحددت في: عصيان إبليس للأمر الإلهي, وفي كبره وحسده, وفي حقده وعداوته, مما أثبت أن الإنسان مخلوق كريم, والشيطان له عدو مبين, وأمره ناضح بالكيد والتصميم, ونافذ على كل غافل ضعيف. وبتحليل مظاهر نفاذه, بين البحث أن أولياء إبليس هم المشركون والمنافقون واليهود, وأن جماع الشرور التي يأمرون بها نيابة عنه هي الكفر والشرك, والبخل, والزنا, والتحاكم إلى شريعة الشيطان عوضا عن شريعة الله. ثم ختم ذلك بتحليل الأبعاد المختلفة التي تكتسيها نصوص الأمر الشيطاني في واقع الأمة وغدها, علاجا لما لحقها من ضعف في عقيدتها, وتحريف في شريعتها, وفساد في أوضاعها.
كشف البحث عن الأبعاد الموضوعية لمفهوم الأمر الدال على الدعاء إلى الخير, ضمن تحليل قضية الأمر الإنساني الموسومة بقضية "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر", حيث أثبت فرضية الأمر والنهي على جميع المسلمين, كل بحسب علمه وطاقته وجهته, ودحض شبهة إهمالهما, وبين أهم شروطهما, وهي: الإيمان, والولاية، والعلم, وتدرج في بسط مراتبهما من مرتبة الدعوة والتبليغ إلى مرتبة التربية والتنظيم, وتناول من صفات الآمرين والناهين: إقامة الصلاة, والائتمار بالمعروف والانتهاء عن المنكر, والصبر, والعفو والإعراض, وجلى, ضمن قيمه المختلفة, أهمية الدعوة وضرورتها في حفظ الحياة الإنسانية من المنكر وإقامتها على المعروف, والارتقاء بها إلى ذروة الكمال الإنساني والرقي الحضاري.
وكان من أهم نتائج البحث في هذه القضية: بناء رؤية قرآنية متكاملة لمفهوم الأمر الإنساني في جانبه الإيجابي, وتقرير وظيفته الدعوية الإصلاحية, والتعرف على عدد من المصطلحات المنتمية إلى أسرته المفهومية.
وبعد، فهذا حظي من اجتلاء مفهوم الأمر واتباع مسالكه, واجتناء ثمراته, ولست أدعي أنني حققت تغلغلا في آياته, واستيفاء في فهمه, واستيلاء على شامل دلالته. كيف؟ وذلك مما تفنى دونه الأعمار, وتجف عنده الأقلام. ولو "استقبلت من أمري ما استدبرت" لعدت إلى كتابة البحث مرة أخرى, متعهدة قلبي, ومنيبة إلى أمر ربي, رجاء أن يهيئ الله لي رشدا من أمري, ويفتح لي طريقا إلى كتابه, أصيب فيه مزيدا من معاني هذا المصطلح الجليل ونفحاته؛ إذ من القطعي أن مصطلحات القرآن لا تتفتح عن أسرارها, ولا تعطي خيراتها, إلا لمن يستقبل أنوارها بقلب سليم, ويحقق مفاهيمها بغاية التسليم, لا لمن يقرؤها لمجرد الدراسة الفنية أو العلمية, ولا لمن يدرسها لمجرد إحصائها
¥