لاريب أنه لايمكننا الجزم بصدق هذه الحكاية، فقد تكون الصور مركّبة، أو لهذا التشوّه الذي يبدو في الصورة،سبب آخر غير عذاب القبر، غير أنه بغض النظر عن صحة هذه الدعوى، فقد تنقل أحيانا روايات تحكي مشاهدات عن بعض ما يجري في عالم البرزخ من عذاب القبور أو نعيمها، كما انتشر سابقا، على شبكة الإنترنت، أنّ حفّارا روسيا يعمل في منجم، قد سمع عذاب الموتى، ما ظنّه الجحيم، ثم سجّله، وقد عُرض على قناة أمريكية في (شيكاغو)، مستدلا به الواعظ النصراني، على أن ذلك الشخص في سيبريا، انفتح له ثقب إلى الجحيم، فسمع أصوات المعذّبين!
نقول: بغض النظر عن صحة ذلك كلّه أو كذبه،فإنّ العلماء قد ذكروا إمكان رؤية، أو سماع بعض ما في البرزخ من عذاب أو نعيم.
وننقل في الجواب على سؤال السائل: هل تمكن رؤية أو سماع عذاب القبر؟ كلام أهل العلم، فمن ذلك:
ما ذكره شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله:
قال: (كان هذا مما يعتبر به الميت في قبره، فإن روحه تقعد، وتجلس، وتسأل،وتنعم، وتعذّب، وتصيح، وذلك متصل ببدنه، مع كونه مضطجعا في قبره، وقد يقوى الأمر حتى يظهر ذلك في بدنه، وقد يرى خارجا من قبره، والعذاب عليه، وملائكة العذاب موكلة به، فيتحرك ببدنه، ويمشى، ويخرج من قبره، وقد سمع غير واحد أصوات المعذبين في قبورهم، وقد شوهد من يخرج من قبره وهو معذب، ومن يقعد بدنه أيضا إذا قوى الأمر، لكن هذا ليس لازما في حق كل ميّت، كما أنّ قعود بدن النائم لما يراه ليس لازما لكل نائم، بل هو بحسب قوة الأمور) مجموع الفتاوى 5/ 526
وقال ابن القيم في كتاب الروح: (قلت: وحدثنى صاحبنا أبو عبد الله محمد بن مساب السلامى، وكان من خيار عباد الله، وكان يتحرّى الصدق، قال: جاء رجل إلى سوق الحدّادين ببغداد، فباع مسامير صغار المسمار برأسين، فأخذها الحداد، وجعل يحمى عليها، فلا تلين معه، حتى عجز عن ضربها، فطلب البائع، فوجده، فقال: من أين لك هذه المسامير؟ فقال: لقيتها فلم يزل به، حتى أخبره، أنه وجد قبرا مفتوحا، وفيه عظام ميت، منظومة بهذه المسامير، قال فعالجتها على أن أخرجها، فلم أقدر، فأخذت حجرا فكسرت عظامه، وجمعتها، قال وأنا رأيت تلك المسامير، قلت له فكيف صفتها قال المسمار صغير برأسين) 1/ 69
وذكر ابن القيم في كتاب الروح أيضا: (وقال ابن أبى الدنيا، حدثنى عبد المؤمن بن عبد الله بن عيسى القيسى، أنه قيل لنباش قد تاب: ما أعجب ما رأيت؟ قال نبشت رجلا فإذا هو مسمر بالمسامير في سائر جسده / ومسمار كبير في رأسه، وآخر في رجليه،قال وقيل لنباش آخر: ما أعجب ما رأيت؟ قال: رأيت جمجمة انسان مصبوب فيهارصاص،قال وقيل لنباش آخر: ما كان سبب توبتك قال عامة من كنت أنبش كنت أراه محول الوجه عن القبلة) 1/ 69
وقال أيضا: (وقدرة الرب تعالى أوسع، وأعجب من ذلك، وقد أرانا الله من آيات قدرته في هذه الدار، ما هو أعجب من ذلك بكثير، ولكن النفوس مولعة بالتكذيب، بما لم تحط به علما إلا من وفقه الله وعصمه.
فيفرش للكافر لوحان من نار فيشتعل عليه قبره بهما كما يشتعل التنور، فإذا شاء الله سبحانه أن يطلع على ذلك بعض عبيده، أطلعه وغيّبه عن غيره، إذ لو طلع العباد كلهم لزالت حكمة التكليف، والإيمان بالغيب، ولما تدافن الناس، كما في الصحيحين عنه (لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع).
ولما كانت هذه الحكمة منفيّة في حق البهائم سمعت ذلك وأدركته كما حادت برسول الله بغلته وكادت تلقيه لما مر بمن يعذب في قبره.
وحدثنى صاحبنا أبو عبد الله محمد بن الرزيز الحرانى، أنه خرج من داره بعد العصر بآمد إلى بستان، قال: فلما كان قبل غروب الشمس، توسطت القبور، فإذا بقبر منها وهو جمرة نار مثل كوز الزجاج، والميت في وسطه، فجعلت أمسح عينى، وأقول: أنائم أنا؟!، أم يقظان! ثم التفت إلى سور المدينة، وقلت: والله ما أنا بنائم! ثم ذهبت إلى أهلى، وأنا مدهوش، فأتونى بطعام فلم استطع أن آكل، ثم دخلت البلد فسألت عن صاحب القبر فإذا به مكّاس (يجبي الضرائب) قد توفيّ ذلك اليوم) قال ابن القيم فرؤية هذه النار في القبر كرؤية الملائكة والجن، تقع أحيانا لمن شاء الله أن يريه ذلك) 1/ 67
¥