ـ[أبو تامر المصري]ــــــــ[06 - 05 - 07, 07:53 م]ـ
قول القرطبي في تفسيره
قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السماوات والأرض} ذكر ابن عساكر في تاريخه عن عليّ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الكرسي لؤلؤة والقلم لؤلؤة وطول القلم سبعمائة سنة وطول الكرسيّ حيث لا يعلمه إلا الله " وروى حمّاد بن سلمة عن عاصم بن بَهْدَلَة وهو عاصم بن أبي النجود عن زِرّ بن حُبَيش عن ابن مسعود قال: بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي وبين العرش مسيرة خمسمائة عام، والعرش فوق الماء والله فوق العرش يعلم ما أنتم فيه وعليه. يقال: كُرسيّ وكرسِيّ والجمع الكراسيّ.
وقال ابن عباس: كرسيه علمه. ورجحه الطبري، قال: ومنه الكُرّاسة التي تضم العلم؛ ومنه قيل للعلماء: الكراسيّ؛ لأنهم المعتمد عليهم؛ كما يقال: أَوْتَادُ الأرض.
قال الشاعر:
يَحُفّ بهم بِيضُ الوُجوه وعُصْبَةٌ ... كَراسيّ بالأحْداث حين تَنُوبُ
أي علماء بحوادث الأُمور.
وقيل: كُرسيّه قدرته التي يمسك بها السموات والأرض، كما تقول: اجعل لهذا الحائط كرسياً، أي ما يعمده. وهذا قريب من قول ابن عباس في قوله «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ» قال البيهقيّ: وروينا عن ابن مسعود وسعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله «وسع كرسيه» قال: علمه. وسائر الروايات عن ابن عباس وغيره تدل على أن المراد به الكرسي المشهور مع العرش. وروى إسرائيل عن السدي عن أبي مالك في قوله «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ» قال: إن الصّخْرة التي عليها الأرض السابعة ومنتهى الخلق على أرجائها، عليها أربعة من الملائكة لكل واحد منهم أربعة وجوه: وجه إنسان ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر؛ فهم قيام عليها قد أحاطوا بالأرضين والسموات، ورؤوسهم تحت الكرسيّ والكرسيّ تحت العرش والله واضع كرسيه فوق العرش. قال البيهقيّ: في هذا إشارة إلى كرسيين: أحدهما تحت العرش، والآخر موضوع على العرش. وفي رواية أسباط عن السديّ عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرّة الهمدانيّ عن ابن عباس، وعن مُرّة الهَمَدَانيّ عن ابن مسعود عن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ» فإن السَّمَوَاتِ والأَرْضَ في جوف الكرسيّ والكرسيّ بين يدي العرش.
وأرباب الإلحاد يحملونها على عِظم المُلْك وجلالة السلطان، وينكرون وجود العرش والكرسيّ وليس بشيء. وأهل الحق يجيزونهما؛ إذ في قدرة الله متّسع فيجب الإيمان بذلك.
قال أبو موسى الأشعري: الكرسيّ موضع القدمين وله أطِيطٌ كأطِيط الرَّحْل. قال البيهقيّ: قد روينا أيضاً في هذا عن ابن عباس وذكرنا أن معناه فيما يُرى أنه موضوع من العرش موضع القدمين من السرير، وليس فيه إثبات المكان لله تعالى. وعن ابن بُريدة عن أبيه قال: " لما قدم جعفر من الحبشة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أعجب شيء رأيتَه»؟ قال: رأيت امرأة على رأسها مِكْتَلُ طعامٍ فمرّ فارس فأذْرَاه فقعدت تجمع طعامها، ثم التفتت إليه فقالت له: ويل لك يوم يضع الملك كرسيه فيأخذ للمظلوم من الظالم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقاً لقولها: «لا قُدِّست أُمّةٌ أو كيف تقدس أُمة لا يأخذ ضعيفُها حقَّه من شديدها» "
قال ابن عطية: في قول أبي موسى «الكرسي موضع القدمين» يريد هو من عرش الرحمن كموضع القدمين من أسِرة الملوك، فهو مخلوق عظيم بين يدي العرش نسبته إليه كنسبة الكرسيّ إلى سرير الملك.
وقال الحسن ابن أبي الحسن: الكرسيّ هو العرش نفسه؛ وهذا ليس بمرضيّ،
والذي تقتضيه الأحاديث أن الكرسيّ مخلوق بين يديّ العرش والعرش أعظم منه.
وروى أبو إدريس الخولانيّ " عن أبي ذرّ قال: قلت يا رسول الله، أيّ ما أنزل عليك أعظم؟ قال: «آية الكرسيُّ ثم قال يا أبا ذرّ ما السموات السبع مع الكرسيّ إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة وفضل العرش على الكرسيّ كفضل الفلاة على الحلقة» "
أخرجه الآجُرِّي وأبو حاتم البستيّ في صحيح مسنده والبيهقيّ وذكر أنه صحيح.
¥