فالزمخشري يستعمل هذا الأسلوب أيضاً في نفي صفة اليمين والشمال والقبض والطي، فيقول هو في هذه الآية: هذا تخييل حسي فالله يريد أن يخيل لنا عظمته فجاء بهذا المثال الحسي الذي فيه كأن السموات بيمينه وكأن الأرض بشماله وليس له لا طي ولا قبض وليس له يمين ولا شمال، وهذا كما قلت لكم من أشنع ما قيل في صفات الله سبحانه وتعالى لأن مؤداه أن الله يكذب علينا، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
ثانيهما: الكرسي بمعنى العرش فهما سواء، ونقل هذا عن الحسن البصري، وروي هذا عنه من طريق جويبر عن الضحاك، وهذا الأثر لا يثبت عن الحسن البصري ([12])، لأنه فيه علة وهي: ضعف الأسناد فجويبر تالف.
قال الإمام ابن كثير والإمام البيهقي في الأسماء والصفات، والصحيح عن الحسن وغيره من السلف أن العرش غير الكرسي.
ثالثهما: قيل الكرسي بمعنى العلم، (وسع كرسيه السموات والأرض) أي علمه، نقل عن ابن عباس رضي الله عنه بإسناد – قال عنه ابن كثير والبيهقي في الأسماء والصفات وأبو منصور الأزهري في تهذيب اللغة إنه شاذ أي هذا الإسناد شاذ والرواية المحفوظة عنه الثابتة أن الكرسي موضع القدم.
وهذا التفسير رده الإمام ابن جرير في أول الأمر وقال: "إن الرواية الثابتة عن ابن عباس في تفسير الكرسي وهو موضع القدمين، هي المعتمدة" ثم انتكس الإمام ابن جرير عليه رحمة الله في تفسيره عند آية الكرسي فنقل هذه الرواية الشاذة وقال هي المعتمدة في تفسير الكرسي، فبعد أن قرر أن القول الأول هو المعتمد نقضه وقال القول الثاني هو المعتمد وهذا عجيب من مثل الإمام ابن جرير، وقد قرر الإمام ابن جرير هذا القول الشاذ بقوله تعالى حكاية من الملائكة (ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً)، وهذا الاستدلال في الحقيقة لا يتناسب مع حذق الإمام ابن جرير وفهمه لأنه يلزم على قوله أن يفسر الكرسي بالرحمة كما فسر بالعلم، لأن ذكرت الآيتين، ثم إنه لا مناسبة بين الكرسي والعلم، لأن الكرسي واحد الكراسي وهو معروف، والعلم معروف فلا مناسبة بينهما ولو صح تفسير الشيء بما لا يدل عليه في لغة العرب لصح أن نفسر بعد ذلك الأحكام الشرعية كما نريد ([13]) وهذا التفسير تبناه محمد عبده في هذا العصر وعليه جمهور المؤولة.
رابعهما: تبناه الرازي في تفسيره فقال: لا يصح تفسير الكرسي بالعرش ولا تفسيره بالعلم فقد دلت الآثار على أنه جسم عظيم أعظم من السموات والأرض – وهذا كله حق مقبول لكن انظر بعد ذلك للانتكاس يقول: لكن الرواية الثابتة عن ابن عباس موهمة مشكلة فيجب أن نقف نحوها موقفين:
الموقف الأول: أن نردها، لأنها توهم التشبيه.
الموقف الثاني: وإذا قبلناها فلابد من تأويلها ([14])، وقال: موضع القدمين أي موضع قدمي الروح الأعظم الذي هو جبريل أو موضع قدمي ملك آخر غيره ([15]) وهذا تأويل باطل يجب طرحه.
والأقوال الثلاثة قبله باطلة أيضاً والمعتمد هو قول ابن عباس وأبي موسى الأشعري وأبي ذر، وتقدم ذكره وقد ورد أن الكرسي بجانب العرش كحلقة في فلاة والسموات السبع والأراضين السبع بجانب الكرسي كحلقة في فلاة.
2 - وأما السنة:
تواترت الأحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام بأن الله فوق عرشه على سمواته بائن من خلقه سبحانه وتعالى، وهذه الأحاديث المتواترة لن أفيض فيها إنما سأذكر ثلاثة منها:
أولها: الأحاديث بمجموعها متواترة، لكن هذا الحديث متواتر بنفسه، قال الإمام الذهبي في كتابه (العلو للعلي الغفار) صـ16: من الأحاديث المتواترة في علو الله وفوقيته حديث معاوية بن الحكم السُّلمي، وحديثه ثابت في صحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي – وهو حديث متواتر – وخلاصة الحديث: يقول معاوية رضي الله عنه [كانت لي جارية ترعى غنماً لي فجاءت في يوم من الأيام وقد أخذ الذئب شاة منها، يقول: وأنا امرؤ من بني آدم ([16]) – آسف كما يأسفون فحزنت على هذه الشاة، وصككت الأمة ثم ندمت فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بالقصة وقلت له: ألا أعتقها، (وفي رواية: إن عليّ كفارة ألا أعتقها؟) فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ادعها لي، فجاءت فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ فقالت في السماء، فقال: من أنا؟ قالت: رسول الله، فقال اعتقها فإنها مؤمنة].
قال الذهبي والحديث فيه أمران:
¥