1 - جواز السؤال عن الله بأين ([17])، فهو شرعي سأل بهذا نبينا صلى الله عليه وسلم.
2 - والجواب عن هذا السؤال، أن الله في السماء كما تواترت الأحاديث بذلك.
ولفظ السماء تقدم معناها إن كان المراد العلو فـ (في) ظرفية على حقيقتها أي في العلو، وإن كان المراد من السماء الأجرام السبعة فـ (في) بمعنى على أي على السماء وهذا الحديث فيه رد على المؤولة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل عن سلطانه وقهره جل جلاله فلم يقل أين سلطان الله؟.
ثانيها: حديث نزول ربنا الجليل وهو حديث قال عنه الإمام الذهبي: هو حديث متواتر أقطع بذلك وأُسأل أمام الله، وقد رواه الشيخان البخاري ومسلم – وأبو داود والترمذي وابن ماجه ورواه الإمام أحمد ومالك في الموطأ الدارمي وغيرهم من أئمة الحديث ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له]. فربنا يتصف بأنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، ولفظ النزول في اللغة لا يكون إلا من أعلى إلى أسفل، فهو ينزل بكيفية تليق بجلاله من غير تشبيه ولا تعطيل ولا يلزم من نزوله أن تكون السموات فوقه، فهو في حال نزوله مستو ٍ على عرشه، ولا تقل كيف؟ فهذا السؤال ارفعه ولا تسأل به، هذا ولله المثل الأعلى – كالإنسان عندما ينام لا يسمع ولا يجيب مع أن روحه فيه فمع أن روحه معه إلا أنه كمن رفعت روحه.
ثالثها: حديث رواه الإمام الترمذي وحسنه، وابن خزيمة في كتاب التوحيد والبيهقي في الأسماء والصفات عن عمران بن حصين رضي الله عنه: [أن والده حصين لما جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول الله: إنك أشأم رجل على قومه فرقت جماعتنا وعبت آلهتنا وسفهت أحلامنا وكفرت من مضى من آبائنا فقال النبي عليه الصلاة والسلام: يا حصين اجلس، فجلس، فقال له: كم إلهاً تعبد؟ فقال له: سبعة، ستة في الأرض وواحداً في السماء ([18])، فقال: من الذي تُعدُّه لرغبتك ورهبتك؟ فقال: الذي في السماء، فقال: اترك الستة واعبد الذي في السماء وأنا أعلمك كلمتين إذا أسلمت، فأسلم فعلمه أن يقول: اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي]. فكرروا هذا الدعاء إخوتي الكرام.
3 - وأما الإجماع الصحيح:
والإجماع على هذه المسألة ليس في هذه الأمة بل هو إجماع بين المِليين أي الموحدين منذ آدم إلى يوم القيامة، أجمعوا على هذا وأن الله على عرشه فوق سماواته.
قال الشيخ عبد القادر الجيلاني – كما في الذيل على طبقات الحنابلة – (1/ 296): "العلو لله جل وعلا مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل" أي ذكر الله جل وعلا هذا في الكتب المنزلة على الرسل التي أرسلهم عليهم الصلاة والسلام، فهو متفق عليه في الكتب، كل رسول يشير بهذا إلى قومه.
وثبت عن الإمام الأوزاعي أنه كان يقول: "كنا نقول والتابعون متوافرون الله فوق عرشه على سمواته بائن من خلقه" أي منفصل عن خلقه ليس حالاً فيهم ولا حالون فيه.
ولذلك قيل للإمام أبي حنيفة: ما تقول فيمن لم يعرف أين الله؟ فقال: إنه كافر، فقيل له: ما تقول فيمن قال إن الله على العرش لكن لا أعلم أين العرش؟ فقال: هو كافر.
وقال الإمام ابن خزيمة في كتابه التوحيد: من أنكر العلو يستتاب – فإن تاب وإلا ضربت رقبته، ثم لا يدفن في مقابر المسلمين ولا اليهود ولا النصارى.
4 - وأما العقل الصريح:
وقد دل على علو الله سبحانه وتعالى على مخلوقاته، على مرحلتين وبخطوتين:
المرحلة الأولي: العقل يقول ويقرر "كل موجودين لابد لهما إما من الاتصال أو الانفصال، واتصال الخالق بالمخلوقات أو المخلوقات بالخالق وامتزاج أحد الموجودين بالآخر مستحيل لأنه يؤدي إلى جعل المخلوق عين الخالق وجعل الخالق مخلوقاً،ويؤدي إلى القول بالحلول ووحدة الوجود وأن كل شيء هو الله.
فإذا انتفى الاتصال ثبت الانفصال، وأفضل كلمة قالها أئمتنا في التوحيد ما قاله الإمام الجنيد: "إفراد الحادث عن القديم" أي تمييز الحادث المخلوق عن القديم الخالق، فكلاهما منفصل عن الآخر ولا يحل واحد منهما في الآخر.
¥