تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن من تعرض من المؤرخين أو الباحثين للكلام على العصر الذي نشأ فيه الإمام ابن تيميَّة تظهر له صعوبة في دراسته وبحثه؛ وذلك لكثرة ما كان فيه من اضطرابات وأمور جلَلَ وقد كانت أحداث ذلك العصر كأمواج متلاطمة في يوم ريح مفعم بالغيوم وهذا جعل أحد العلماء وهو الشيخ محمد أبو زهرة (1) يعبر عن ذلك بقوله: "فعصره امتاز بكثرة الأحداث وتواليها وتعدد أنواعها" (2)، وهذه صعوبة حقاً؛حيث إن الدارس سينظر إلى تفكك الدولة الإسلامية إلى دويلات صغيرة أم سينظر إلى الغزو الخارجي؟ أم إلى تهتك الروابط الاجتماعية بين المسلمين داخلياً؟ أم سينظر إلى الجمود الفكري والكساد العلمي باستثناء بعض الشخصيات القلائل؟، وللتعرف على العصر الذي نشأ فيه الإمام ابن تيمية ينبغي علينا الإطلال على كل من:

المطلب الأول: الناحية السياسية:

الناظر لحال المسلمين في تلك الفترة " وهي التي يطلق عليها في الشرق والغرب اسم (العصور الوسطى) عبارة عن ممالك صغيرة يحكمها أمراء من العجم غير خاضعين لسلطان الخلافة في بغداد، وكثيراً ما كان يحفزهم الطمع في سعة الملك وعظمة السلطان إلى مقاتلة بعضهم بعضاً حتى كان بعضهم لا يتورع في سبيل ذلك أن يستعين بالروم وغيرهم (من التتار) (3) من أعداء الإسلام على غزو من جاورهم من المسلمين، ولم يكن مركز الخلافة في بغداد قوياً إلى الحد الذي يستطيع معه

إخضاع هذه الأطراف وضمها إلى حوزته" (1)؛ لذلك فقد تمزق شمل البلاد الإسلامية وانقطع حبل قوتهم فنتج عنه تفكك وضعف وغلبة الهوى مما شجع أعداء الإسلام على التجرؤ على غزو المسلمين في عُقْر دارهم ومن ثَمَّ تمخض عن هذا التجرؤ الحروب الصليبية واجتياح التتار لبلاد الإسلام فدخل التتار وقبلهم الصليبيون فسفكوا الدماء وقتلوا النساء والأطفال والشيوخ وعاثوا في الأرض فساداً والتقم هذا العدو تلك الممالك المفككة واحدة تلو الأخرى "فألقاها في اليم من غير رحمة ولا شفقة، وهل ينتظر الرحمة من الأعداء إلا من ينتظر من النيران الماء" (2)، وقد ألمح الإمام ابن تيمية نفسه إلى هذه الحروب وسبب نصرة الأعداء على المسلمين فقال: "فلما ظهر النفاق والبدع والفجور المخالف لدين الرسول صلى الله عليه وسلم سلطت عليهم الأعداء فخرجت الروم النصارى إلى الشام والجزيرة مرة بعد مرة وأخذوا الثغور الشامية شيئاً بعد شيء إلى أن أخذوا بيت المقدس في أواخر المئة الرابعة، وبعد هذا بمدة حاصروا دمشق وكان أهل الشام بأسوأ حال بين الكفار النصارى والمنافقين الملاحدة" (3) بل إنه اشترك بنفسه مع عامة الناس في بعض المعارك ضد الصليبيين كما في المناقب العلية (4) هذا "وبينما كان المسلمون في غاية الرعب من الصليبيين ومشغولين بقتالهم دهمهم خطر التتار الذين قدموا بقيادة جنكيز خان (5) يجتاحون البلاد الإسلامية، وكانوا قوماً غلاظ الأكباد متعطشين إلى سفك الدماء ونهب الأموال وتخريب الديار وقد أسرفوا في ذلك أيما إسراف ولم يزل خطر هؤلاء التتار يزداد وأمرهم يستفحل وتسقط في أيديهم بلاد الإسلام بلداً بعد بلد حتى استولوا على بغداد عاصمة الخلافة في سنة 656 هجرية وقتلوا الخليفة المستعصم (6) وأحالوا هذه المدينة العامرة خراباً" (7) ومن كثرة ما فعل التتار أنهم " لم يبقوا على أحد بل قتلوا النساء والرجال والأطفال وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الأجنة فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لهذه الحادثة التي استطار شررها وعم ضررها وسارت في البلاد كالسحاب استدبرته الريح" (1) وبسبب هذه الانتهاكات -وغيرها أكثر منها شراسة- أحجم الإمام ابن الأثير (2) في بداية أمره أن يسجل في كتابه العظيم: الكامل في التاريخ وقائع هذه الأحداث والتي هي أليمة على النفس الأبية الرؤوم على المسلمين ثم كتب مستعيناً بربه بعد ذلك أحداث ووقائع ذلك الغزو الهمجي المفسد في الأرض وأشار إلى هذا الإحجام فقال: "لقد بقيت عدة سنوات معرضاً عن ذكر هذه الحادثة؛ استعظاماً لها كارها لذكرها وهاأنذا أقدم إليه رِجْلاً وأؤخر أخرى فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين ومن الذي يهون عليه ذلك؟! " (3)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير