تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولقد شارك الإمام ابن تيمية إخوانه المجاهدين في قتال التتار كما أخبر بذلك تلميذه الحافظ البزار (4) بقوله: "لما ظهر السلطان غازان (5) على دمشق المحروسة جاءه ملك الكُرْج وبذل له أموالاً كثيرة جزيلة على أن يمكنه من الفتك بالمسلمين من أهل دمشق، ووصل الخبر إلى الشيخ [يعني: ابن تيميَّة] فقام من فوره وشجع المسلمين ورغبهم في الشهادة ووعدهم على قيامهم بالنصر والظفر والأمن وزوال الخوف فانتُدب منهم رجال من وجوههم وكبرائهم وذوي الأحلام منهم فخرجوا معه إلى حضرة السلطان غازان فلما رآهم السلطان قال: من هؤلاء؟ فقيل: هم رؤساء دمشق فأذن لهم فحضروا بين يديه فتقدم الشيخ رضي الله عنه أولاً فلما رآه أوقع الله له في قلبه هيبة عظيمة حتى أدناه وأجلسه وأخذ الشيخ في الكلام معه أولاً في عكس رأيه عن تسليط المخذول ملك الكُرْج على المسلمين وضمن له أموالاً وأخبره بحرمة دماء المسلمين وذكره ووعظه فأجابه إلى ذلك طائعاً وحقنت بسببه دماء المسلمين وحميت ذراريهم وصين حريمهم" (1)

فهذه لمحة تاريخية موجزة توضح الحالة السياسية في عصر الإمام ابن تيمية تدل على مدى الانحطاط والتدهور والهوان الذي كانت فيه الأمة الإسلامية في ذلك الوقت وهذا كله يعتبر نتيجة حتمية لبعد المسلمين عن ربهم عز وجل وتركهم كتاب ربهم وراء ظهرهم كأنهم لا يعلمون وبعدهم عن هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم وصدق الله سبحانه: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً) (2) وكيف ينتظر المسلمون النصر من الله وهم لم ينصروا دينه؟! فلو أنهم نصروا دينه لنصرهم كما قال تعالى:

(إن تنصروا الله ينصركم) (3) وقال: (ولينصرن الله من نصره) (4) وتكشفت معجزة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت" (5)

المطلب الثاني: الناحية الاجتماعية:

سوء الناحية السياسية في ذلك العصر انطبع على الناحية الاجتماعية؛ فهما وجهان لعملة واحدة فكما مر آنفاً دخول كل من الصليبيين والتتار بلاد الإسلام ساعين فيها بالفساد والإفساد والضلال والإضلال مما كان له أسوأ النتائج الاجتماعية من اضطراب واختلال في موازين الحياة فضلاً عن غياب الأمن والأمان وحلول الرعب والفزع بين المسلمين ونتيجة لذلك تدهورت بل تحطمت العلاقات وتقطعت الأواصر وأصبح أفراد المجتمع يعيشون في أوهاقٍ من الحياة النكدة حيث أصبح الإنسان غير آمن على نفسه وأهله وولده وماله وعرضه بل لا يجد ما يعمله كي يكسب ويشتري القوت ليحيى ويعيش هو ومن يعول، وإذا فقد الأمن مجتمع وحرم الرزق فقد سببيْ سعادته وقد امتن الله سبحانه على قريش بالأمن والرزق فقال جل شأنه: (لإيلاف قريش. إيلافهم رحلة الشتاء والصيف. فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوعٍ آمنهم من خوف) (1) ففقد هذين الأمرين بالنسبة للإنسان بمثابة فقد الطائر لجناحيه سوياً فما حدث في ذلك العصر من انعدام الأمن وقلة سبل تحصيل الرزق ساعد على "سوء الحالة الاقتصادية وانتشار الفاقة فكثر اللصوص وقطاع الطريق واشتد الغلاء فعمد الناس إلى الغش في المبايعات واحتكار الأقوات وتطفيف المكيال والميزان، وغير ذلك من العيوب الاجتماعية التي تصحب دائماً عهد الجوع والفاقة ... ،وزاد الأمر سوءاً ما كان يقع من الفتن والمنازعات بين أرباب المذاهب والمقالات وما كان من تحيز الدولة لفريق دون آخر" (2)، وانبثق من هذه الفوضى الاجتماعية شيء ساعد في زيادة التدهور بين أفراد المجتمع وزاد الشقة بينهم ألا وهو انقسام المجتمع إلى طبقات ثلاث:

"الأولى: الطبقة الحاكمة وهي طبقة الأمراء وعلى رأسهم السلطان وكانت تعيش بشعور الأفضلية ولا يتكلمون العربية إلا ما ندر في أحاديثهم مع الشعب أو مع العلماء وأما فيما عدا ذلك فيتكلمون التركية كما أن راتب هذه الطبقة في صورة ريع بعض الإقطاعيات التي كانت تختلف باختلاف كل رتبة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير