تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بجرأة وقحة على النصوص، وما "أشبه الليلة بالبارحة" (1)، وباستقراء صفحات التاريخ والنظر في مرآة الزمان نلاحظ أن هذا الظلام الدامس لا يظل جاثماً على صدر الأمة الإسلامية بل هو بالنسبة إلى تاريخ الأمة الإسلامية كسحاب صيف يوشك أن ينقشع بل كَفَواقٍ لا يبقي على حال، وانحطاط حضارة أمة من الأمم ثمرة حتمية لفساد الأحوال المحيطة بتلك الحضارة وإن "قيمة كل أمة في ميزان بناء الحضارة يساوي ما أعطت وقدمت مطروحاً منه ما أخذت واقتبست

فلو قارنّا هذا المقياس بحال الأمة بالعصر الذي نشأ فيه الإمام ابن تيمية لوجدنا مؤشر الانحدار والانحطاط إلى أسفل؛ لأن الأمة تأخذ وتقتبس بل تفقد رغماً عنها أكثر بكثير مما تعطيه وتقدمه ويظهر هذا من فقد أغلى عنصر من عناصر قيام الحضارة وهو عقل الإنسان: حيث ضعف التفكير والاهتمام بالمعيشة وتفكك الروابط الاجتماعية نتيجة تدهور الناحية السياسية بل إن فقد الإنسان نفسه بكثرة الحروب وما تؤدي إليه من ويلات ودمار وإهلاك لاقتصادها مما يساعد بل يجرئ عدوها على اقتناص الفرصة لنهب هذه الخيرات مما يجعلها تحتاج إلى أضعاف مضاعفة كي تسمو قليلاً أو ترقى رويداً رويداً وقد" أرجع العلامة عبد الرحمن بن خَلْدون (1) أسباب أفول حضارة، وبالتالي قيام أخرى في مكان آخر (أو على أنقاض الأولى إن كان معتدياً) إلى عوامل منها:

1 - عوامل مادية: كاتساع رقعة الملك وعدم خضوع الأطراف النائية للسلطة المركزية.

2 - عوامل اقتصادية: ويعني بها حالة الترف والدعة [كأساس لبدء انهيار أمة بعينها ثم بعد ذلك الجوع] بعد فترة الاستقرار.

3 - عوامل اجتماعية [يلازم فساد الناحية الدينية وتدهور الأمور الحياتية] فالمجتمع خاضع للتطور المحتوم وللدول أعمار كأعمار الأفراد" (2) ويوضح هذا الانحدار الشكل التالي من خلال المنحنى الطبيعي.

وهذه سنة كونية كما قال سبحانه: (سنة الله في الذين خلو من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً) (1) وقال: (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً) ? 2? وهي في حد ذاتها مرحلة مؤقتة في عمر الأمة الإسلامية يُغربل فيها المجتمعُ المسلمُ ويصفّى حتى يأتي النصر على مَنْ هم أهلٌ له وهناك يُنزل الله سبحانه نصره الذي وعد فيأتي العلماء الربانيون يلوِّحون برايات النصر إيذاناً بفجر جديد يأتي على ظلام الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، وذلك مصداقاًً لوعد ربنا عز وجل للمسلمين بالنصر: (إن تنصروا الله ينصركم) (3) وقوله: (ولينصرن الله من ينصره) (4)، وقوله: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي أرتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً) (5) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" (6)، وقوله: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" (7)

المبحث الثاني

العوامل المؤثرة في نبوغه وعبقريته

دأب الباحثون والكتاب حينما يتحدثون أو يكتبون عن عبقرية شخص ما أنهم يبرزون مآثره ويسفرون النقاب عن الكيفية التي جعلته يصل بها إلى تلك العبقرية ... فعالم هنا تظهر عبقريته في العلوم النقلية وآخر هناك في العلوم العقلية أو الطبيعية ... الخ، ومنهم من تظهر عبقريته في فنٍ آخر كاللغة أو بما يتعلق بالآلات المعيشية وإمامنا هذا قد تعددت روافد عبقريته في علوم شتى: نقلية، وعقلية، ولغوية، ودعوية، وجهادية، وإصلاحية تربوية ... وإنه ليشهد لهذه العبقرية كثرة مؤلفاته وثراؤها وإثراؤها وتنوعها وتعدد أساليبها ووسائلها وهنا تبرز صعوبة تحديد أسباب العبقرية لديه؛ لأنها متعددة متنوعة وغير قاصرة على شيءٍ محدد؛ لذا فقد كثرت الأبحاث التي تتناول جانباً من جوانب هذه العبقرية عند هذا الإمام فمنها ما له علاقة بالجوانب الدينية وجهوده فيها وفي نشرها ومنها ما هو متعلق بالإصلاح والتربية ومنها ما هو متعلق بأمور فكرية، وجهادية، ودعوية، ومنها سياسية، وما له علاقة بالحكم وإصلاح الراعي والرعية، ومقارعة الأعداء في الداخل والخارج، ومن الأبحاث ما ركزت اهتماماتها على جزء من جهوده مثل: الجانب العقدي، أو الفقهي، أو التربوي، أو الخلقي عنده وتلازم هذه الجوانب بالمنهجية عنده وكيفية تأصيلها

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير