تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهم في حل وإن كان لكم فإن لم تسمعوا مني فلا تستفتوني وافعلوا ما شئتم وإن كان الحق لله فالله يأخذ حقه كما يشاء وإن شاء" (3)، وعندما اقتربت وفاة الشيخ استأذن ملك دمشق على الشيخ وأخذ يعتذر له عما فعله معه من تقصير أو غيره فقال له: "إني قد أحللتك وجميع من عاداني وهو لا يعلم أني على الحق وقال ما معناه: إني قد أحللت السلطان المعظم من حبسه إياي، كونه فعل ذلك مقلداً غيره معذور أو لم يفعله بحظ نفسه بل لما بلغه مما ظنه حقاً من مبلغيه والله يعلم أنه بخلافه وقد أحللت كل أحد مما بيني وبينه إلا من كان عدواً لله ورسوله" (1) بل إنه قال في آخر أيامه: "أنا لا أكفر أحداً من الأمة ويقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن) (2) فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم" (3).

الأمر الرابع: زهده عن المناصب وكل زخرف الدنيا وزينتها: فلم يطلب منصباً ولم يتول منصباً ولم ينازع أحداً في رياسة بل كان المدرس الواعظ الباحث؛ ولذلك عاش فقيراً وكان يكتفي من الطعام بالقليل ومن الثياب بما يستر العورة مع التجمل من غير طلب للثمين وكان يتصدق بأكثر رزقه الذي يجري عليه" (4) فهذه أحوال للشيخ تضئ لنا بعض جوانب إخلاصه وتدل على مدى تطلعه لما عند الله فكل حياته محن وابتلا آت وهذه سمات من يدعو إلى الله تعالى.

المطلب الثاني: تجرده في دعوته:

إن صفاء قلب المؤمن من شوائب الشهوات ومن أكدار الشبهات ومن تمني أذية الخلق لخلق كريم دعا إليه الإسلام ولكن هذا الخلق يصبح أمراً عجباً حينما يتمكن المظلوم ممن ظلمه ولكنه يقابله بالعفو والإحسان كما حدث من الشيخ فإنه لما أظهره الله على عدوه ما فعل شيئاً يؤذيهم ولا استغل الموقف لصالحه بل فعل ما أملاه عليه دينه واحتكم إلى شرع ربه فعفا وصفح وهذا يدلنا على "صفاء قلبه وإخلاصه في دعوته [وتجرده من كل هوىً أو انتقام و لقد كثر خصومه واشتد عليه منهم الأذى وبلغوا منه في محنته كل مبلغ إلا أن يسكتوه عن قولة الحق جهيرة مسموعة وكثيراً ما تمكن من رد عدوانهم عليه ولكنه عفا عنهم ولم يؤذ أحداً منهم بل إنه كان يدافع عنهم

الأعذار" (1) وفعله هذا هو فعل الصديقين وقد حكى لنا القرآن الكريم قصة سيدنا يوسف عليه السلام وما فعله إخوته معه وهو صغير ثم لما قدر عليهم عفا عنهم قال تعالى حاكياً قول يوسف عليه السلام لإخوته: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) (2) وبمثل فعل يوسف عليه السلام فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه في فتح مكة المكرمة حينما عفا عنهم وسامحهم ولم ينتقم منهم مع قدرته على فعل ذلك "ولا شك أن هذا من أرفع ما عرف في أخلاق الدعاة إلى الله تعالى وهو خلق [ربى الله عليه رسله كما] ربى عليه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الطليعة من الرعيل الأول الذين سبقوا إلى الإسلام واحتملوا الأذى في سبيل عقيدتهم وإيمانهم" (3)، ومن ملامح تجرد الإمام ابن تيمية أنه اشتهر عنه لدى الخاصة والعامة الزهد والورع وذلك أنه "ما خالط الناس في بيع ولا شراء ولا معاملة ولا تجارة ولا مشاركة ولا زراعة ولا عمارة ولا كان ناظراً مباشراً لمال وقف ولم يكن يقبل جراية ولا صلة لنفسه من سلطان ولا أمير ولا تاجر ولا كان مدخراً ديناراً ولا درهماً لا متاعاً ولا طعاماً وإنما كانت بضاعته مدة حياته وميراثه بعد وفاته ? العلم اقتداءً بسيد المرسلين وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين فإنه قال: ( .. إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذ به فقد أخذ بحظٍ وافر) (4) " (5)، وهذه أحوال العلماء العاملين الموصوفين بالربانية والذين كرسوا كل حياتهم للعلم: تعلماً وتعليماً ودعوة سواء كانوا أئمة للدين أو قضاة أو من أهل الفُتيا أو من الخطباء والمؤذنين فهؤلاء الربانيون لم يكترثوا بزخارف الدنيا وحُق لهم ذلك فهم حملة الشريعة وهو أمر يعرفه كل من له أدنى اطلاع بأحوال ذلك الصنف من الناس عبر السنين وقد عقد العلامة ابن خَلْدون في مقدمة تاريخه فصلاً بعنوان:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير