تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

"في أن القائمين بأمور الدين من القضاة والفُتيا والتدريس والإمامة والخطابة والأذان ونحو ذلك لا تعظم ثروتهم في الغالب .. [ثم علل بعض أسباب ذلك قائلاً:] وأهل هذه الصنائع الدينية لا تضطر إليهم عامة الخلق وإنما يحتاج إلى ما عندهم الخواص ممن أقبل على دينه .. وهم أيضاً لشرف بضائعهم أعزة على الخلق وعند نفوسهم فلا يخضعون لأهل الجاه حتى ينالوا منه حظاً يستدرون به الرزق بل ولا تفرغ أوقاتهم لذلك لما هم فيه من الشغل بهذه البضائع الشريفة المشتملة على إعمال الفكر والبدن بل ولا يسعهم ابتذال أنفسهم لأهل الدنيا لشرف بضائعهم فهم بمعزل عن ذلك؛ فلذلك لا تعظم ثروتهم في الغالب" (1)، والتقلل من الدنيا هو سمت العلماء الربانيين المصلحين ذوي الهمم العالية؛ لأنهم أولى الخلق بالتقلل من زخارف تلك الدنيا بما لا يضرهم في دينهم أويكدرعليهم صفو حياتهم (2)، ومن تجرده أيضاً " ما جمعه الله له من الزهادة والورع والديانة ونصرة الحق والقيام فيه لا لغرض سواه" (3)، وفي سائر تآليفه كان يطلب الحق ويدور مع الدليل حيث دار و"ليس له مصنف ولا نص في مسألة ولا فتوى إلا وقد اختار فيه ما رجحه الدليل النقلي والعقلي على غيره وتحرى قول الحق المحض فبرهن عليه بالبراهين القاطعة الواضحة الظاهرة بحيث إذا سمع ذلك ذو الفطرة السليمة يثلج قلبه بها ويجزم بأنها الحق المبين" (4) فالحق غايته والصواب مرامه "وإذا نظر المنصف إليه بعين العدل يراه واقفاً مع الكتاب والسنة لا يميله عنهما قول أحد كائناً من كان ولا يراقب أحداً ولا يخاف في ذلك أميراً ولا سلطاناً ولا سوطاً ولا سيفاً ولا يرجع عنهما لقول أحد" (5)، وإنما "كان مقصوده وهمه الوحيد خدمة الدين فهو لا يقصد من وراء ذلك شهرة ولا استعلاءً ودليل ذلك أنه قد نذر حياته كلها لخدمة الدين فلم يخلف مالاً ولم يعقب ولداً بل ترك ثروة علمية" (6)، وظهر من تجرده أنه دعا المصلحين والدعاة والأمراء إلى التجرد في دعوتهم فقال: "فمن كان من المطاعين –من العلماء والمشايخ والأمراء والملوك- متبعاً للرسل أمر بما أمروا به ودعا إلى ما دعوا إليه وأحب من دعا إلى مثل ما دعا إليه فإن الله يحب ذلك فيحب ما يحبه الله تعالى وهذا قصده في نفس الأمر أن تكون العبادة لله تعالى وحده وأن يكون الدين كله لله وأما من كان يكره أن يكون له نظير يدعو إلى ذلك فهذا يطلب أن يكون هو المطاع المعبود فله نصيب من حال فرعون وأشباهه .. فالمؤمن المتبع للرسل يأمر الناس بما أمرتهم به الرسل ليكون الدين كله لله لا له وإذا أمر أحدٌ غيره بمثل ذلك وأعانه وسُرّ بوجود مطلوبه وإذا أحسن إلى الناس فإنما يحسن إليهم ابتغاء وجه ربه الأعلى ويعلم أن الله قد من عليه بأن جعله محسناً ولم يجعله مسيئاً فيرى عمله لله وإنه بالله" (1)، وهذا حال المؤمن الداعي إلى الله على بصيرة إذ إنه يريد الوصول إلى الحق "ومن دلائل إخلاصه في الوصول إلى الحق وأن القصد ليس هو الغلبة والانتصار على الخصوم أننا نجده [أي الإمام ابن تيمية] لا يرحب بمن شاركه في الرد على خصومه من المبتدعة ببدعة وبباطل فالغاية الشريفة لا تبرر الواسطة المحرمة؛ لهذا رد على قوم من المتأخرين أرادوا أن يدافعوا عن الحق ويرفعوا تأويلات أهل البدع للمتشابه ولكنهم أخطأوا يقول: (وكل مسلم يوافقهم عليه لكن لا ندفع باطلاً بباطل آخر، ولا نرد بدعة ببدعة) (2) " (3).

والإمام ابن تيمية لم يكن يدعو لحزب سياسي أو فقهي ولم تكن محنه هذه ليصبح في نهاية المطاف زعيماً أو مسئولاً أو شيخاً لطريقة ويفرح بكثرة الأتباع بل لنصرة الحق وحده حيث كان وجعل الموالاة والمعادة في الله ولله وبالله وقد ذم هو نفسه من ينتسبون إلى شيخ يوالون عليه ويعادون فقال: "وليس لأحدٍ أن ينتسب إلى شيخ يوالي على متابعته، ويعادي على ذلك بل عليه أن يوالي كل من كان من أهل الإيمان ومن عرف عنه التقوى من جميع الشيوخ وغيرهم ولا يخص أحداً بمزيد موالاة إلا إذا ظهر له مزيد إيمانه وتقواه فيقدم من قدم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويفضل من فضله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم " (1)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير