ولكن قوله: ويجب التعامل مع الآخر علي أنه أخ في الدين، أو نظير في الخلق": فالمسلم ليس أخا للكافر في الدين بداهة؛ قال تعالى: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} وقوله: أو نظير في الخلق، فإن كان يقصد الحقوق العامة بين البشر من العدل وحسن الخلق وعدم الاعتداء ... ونحو هذا، فلا بأس إلا أن يترتب عليه مساواة في الحقوق والواجبات.
وأما قوله: "إن الجهات الدينية ليست لها سلطة ولا تملك حق الضبطية القضائية لمصادرة أي ورقة تسيء للدين أو مساءلة المخطئ في الدين":
فنفي السلطة عن العلماء مطلقاً غير صحيح؛ لأن الله أخذ الميثاق على العلماء في البيان؛ قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79]، وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: "وفي هذا تَحْذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم؛ فيصيبهم ما أصابهم، ويُسْلكَ بهم مَسْلكهم، فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع، الدال على العمل الصالح، ولا يكتموا منه شيئاً، فقد ورد في الحديث المروي من طرق متعددة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من سُئِل عن عِلْم فكَتَمه ألْجِم يوم القيامة بِلجَامٍ من نار)).
وقوله: "إننا في عصر شبهة؛ لذلك لا يتم تطبيق الحدود الشرعية مثل قطع يد السارق وجلد ورجم الزاني، وأن في عصر كهذا تَفقِد الحدود شروط تطبيقها":
فهذا القول من أعجب ما سمع في الإسلام، فضلاً عن أنه قول لا دليل عليه، فإن من لوازمه أن حرمة الزنا والسرقة إلى آخره، أصبحت عند العامة والخاصة غير معلومة، وهذا لم لن يحدث في بلاد الإسلام حتى يرفع القرآن من المصاحف، وصدور الرجال، ويهدم ذو السويقتين - من الحبشة - الكعبة المشرفة في آخر الزمان، إذا عفَا الإسلام وانمَحت آثاره ويندرس أقلامه؛ كما في حديث حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يُدْرَس الإسلام كما يُدرَس وَشَِيُّ الثوب، حتى لا يُدرَى ما صيام ولا صدقة ولا نُسُك، ويسرى على كتاب الله في ليلة؛ فلا يبقى في الأرض منه آية، ويبقى طوائف من الناس؛ الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله فنحن نقولها)).
قال صلة بن زفر لحذيفة: فما تغني عنهم لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صيام ولا صدقة ولا نسك؟ فأعرض عنه حذيفة، فرددها عليه ثلاثاً كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة، فقال: ((يا صلة تنجيهم من النار)) وحديث أنس مرفوعاً: ((لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض لا إله إلا الله))؛ أخرجه أحمد، وقواه الحافظ، وهو عند مسلم بلفظ: ((الله الله)).
فشبهة الجهل الرافعة للحد - عند أهل العلم - هي جهل التحريم، أما من علم التحريم وجهل الحد، أقيم عليه، بإجماع المسلمين، وكثير من الحنفية والمالكية، ومنهم القرافي في "الفروق" لا يعتبرون شبهة الجهل أصلاً؛ لأن الإسلام فشا وظهر؛ فلا يعذرون جاهلاً في شيء من الحدود.
وأما إن كان يقصد شبهة غير الجهل - كتعذر توفر أدلة الإثبات على النحو الذي يستوجب الحد أو العقوبة، وهذا هو ما ورد في القاعدة الشرعيّة: ادرؤوا الحدود بالشبهات – فلا شك أنها قاعدة معتبرة في كتب أهل العلم إذا توفرت ضوابطها التي تراعي تنفيذ حكم الله، إلا أن هذه القاعدة لا تختص بزماننا!
أما قوله: "إن فائدة البنوك ليست ربا ولا يمكن تصنيفها علي أنها ربا":
فمن المقرر عند أهل العلم؛ أن ربا الجاهلية الذي كانت العرب تتعامل به قبل الإسلام، وهدمه الإسلام، إنما كان قرضاً مؤجلاً بزيادة مشروطة، فكانت الزيادة بدلاً من الأجل؛ فأبطله الله؛ كما قاله الإمام الجصَّاص في "أحكام القرآن"، وهو عين ربا النسيئة، الذي حرمه الله، وحرمه رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأجمع أهل العلم على تحريمه.
¥