وتعاملات البنوك لا تخرج عن حد الربا الذي ذكرناه؛ فقد نص الدستور على أن البنك مؤسسة لإقراض واستقراض الأموال؛ يعني: استقراض البنك الأموال من المودع، ثم إقراض البنك نفس المال لعميل آخر (المتاجرة في الديون)، وهكذا ومن أعماله أيضاً: تخليق الأموال! عن طريق فتح الاعتمادات التي يحصل منها البنك على فوائد لأموال لم يقرضها أصلاً، وإنما وضعها تحت تصرف العميل، ثم هذه البنوك تتعامل بفائدة محددة سلفاً لا تتغير بتغير الربح والخسارة، مع ضمان رأس المال؛ وهو باطل بالكتاب والسنة والإجماع؛ قال ابن المنذر: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض - المضاربة - إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معدودة". ولهذا قد نص عامة علماء العصر المعتبرين والمجامع الفقهية والمؤتمرات الإسلامية، ومنها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر في سنة 1965، الذي حضره عدد كبير من كبار علماء الأمة، ومجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، ومجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، ولجان الفتوى -: على أن الفوائد البنكية هي عين الربا الذي حرمه الله ورسوله، وعلى حرمة التعامل مع البنوك الربوية بالاقتراض، والإقراض أي الإيداع.
أما قوله: "إن هناك خلافاً علي النقاب وهو بدعة عند الإمام مالك":
فإنه قول جديد لم يُسبق إليه، ولم يقل به أحد من الأئمة المتَّبعين، سواء من الأربعة أو غيرهم من السابقين، ولا من اللاحقين؛ فيكون الشيخ مخالفاً للإجماع؛ لأن الأصوليين قد نصوا على أنه إذا اختلف في مسألة على قولين أو أكثر ثم انصرم العصر، فلا يجوز إحداث قول آخر؛ لأنه يلزم منه غياب الحق عن جميع الأمة، وهو باطل بالإجماع، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ((لا يزال طائفة من أمتى ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون))؛ متفق عليه، كما يلزم منه تجهيل جميع السلف.
وأما ما نسبه إلى الإمام مالك من القول ببدعية النقاب، فأمر يدعو إلى رفع الثقة عما ينقله الشيخ عن العلماء؛ فالإمام مالك قد كره انتقاب المرأة في الصلاة فقط، وليس مطلقاً كما جاء في كتب المالكية المعتمدة ومنها: "التاج والإكليل" عند قول خليل: " (وانتقاب امرأة)، من المدونة قال مالك: إن صلت الحرة منتقبة لم تعد. وقال ابن القاسم: وكذا المتلثمة. وقال اللخمي: ... وتسدل على وجهها إن خشيت رؤية رجل".اهـ.
وقال: "قال الباجي – المالكي - في "المنتقى": وإنما يجوز أن يخمرن وجوههن على ما ذكرنا – في الحج - بأن تسدل ثوباً على وجهها تريد الستر"، وقال الإمام أبو بكر بن العربي – المالكي -: وذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج، فإنها ترخي شيئاً من خمارها على وجهها غير لاصق به وتعرض عن الرجال ويعرضون عنها".
وكراهة الإمام مالك للمرأة ستر وجهها في الصلاة ليس خاصاً بالمالكية وحدهم، وإنما قال به عامة أهل العلم؛ لأن الانتقاب في الصلاة يخل بتمكين الجبهة من الأرض في السجود؛ قال الإمام أبو عمر بن عبد البر: "أجمعوا على أن على المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة والإحرام، ولأن ستر الوجه يخل بمباشرة المصلي بالجبهة والأنف ويغطي الفم".
وقال ابن قدامة – الحنبلي- في المغني: "لا يختلف المذهب في أنه يجوز للمرأة كشف وجهها في الصلاة , ولا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم"، وقال البهوتي – الحنبلي- في "كشاف القناع": "ويكره أن تصلي في نقاب وبرقع بلا حاجة".
وقال الخطيب الشربيني – الشافعي -: "وأن يصلي الرجل متلثما والمرأة منتقبة" - أي يكره ذلك -، ونص النووي في "المجموع" على أنها كراهة تنزيهية لا تمنع صحة الصلاة".
ثم لو كان النقاب بدعة – كما يزعم – فلم كرهه العلماء في الصلاة وحسب؟!
والحاصل: أن وصف النقاب بأنه بدعة قول دخيل يخالف ما عليه جماعة العلماء، وإنما دخل على المسلمين في عصور الانحطاط الشديد والانهزام أما الحضارة الغربية فقد اختلف العلماء ـ من فقهاء ومفسرين ومُحدِّثين ـ قديمًا وحديثا في النقاب على قولين:
الأول: الوجوب وهو مذهب الإمام أحمد، والصحيح من مذهب الشافعي أنه يجب على المرأة ستر وجهها وكفيها أمام الرجال الأجانب؛ لأن الوجه والكفين عورة بالنسبة للنظر،
والثاني: الاستحباب وهو مذهب أبي حنيفة ومالك.
¥