قال الله جل وعلا في كتابه (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) وقال جل وعلا في حق عيسى عليه السلام (بل رفعه الله إليه) وقال جل وعلا (يا عيسى إني متوفيك ([2]) ورافعك إليّ) وهذا الرفع وهذا الصعود معلوم ضرورة في اللغة أنه من، أنزل إلى أعلى ومن أسفل إلى أعلى، والدلالة واضحة.
الوجه الثالث: تصريح الله في كتابه بأنه عليّ، قال تعالى في آية الكرسي: (وهو العلي العظيم)، وهكذا قوله تعالى: (إن الله كان علياً كبيراً) وهناك آيات كثيرة تصف الله بالعلو وتسميته بأنه عليّ وهذا يفيد علو الذات وعلو الصفات وعلو المنزلة والقدر، ويقال فيه ما يقال في الفوقية، فهو فوقهم وهو عليّ عليهم , إذا ثبتت الفوقية والعلو فكيف تقولون يا مبتدعة لا يجوز أن نقول إنه فوقنا وأعلى منا؟!.
الوجه الرابع: تصريح الله جل وعلا في كتابه بتنزيل أشياء من عنده، قال جل وعلا: (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم)، (تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم)، (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) إلى غير ذلك من الآيات، والنزول ضد الصعود فهو هبوط من أعلى إلى أسفل، فالقرآن نزل من الرحمن أي هبط من أعلى إلينا، لذلك قال أئمتنا:
لفظ الإنزال للقرآن يدل على فوقية ذي الجلال والإكرام.
الوجه الخامس: إخبار الله جل وعلا عن الملائكة بأنهم عنده في جواره الكريم، والملائكة فوقنا وأعلى منا ومسكنها السموات المباركة، قال الله جل وعلا في آخر آية من سورة الأعراف: ( ... إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون)، وفي سورة حم السجدة (فصلت) آية 38 (فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسئمون) وهكذا في سورة الأنبياء (وله من في السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستسحرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون) وهكذا في سورة الزخرف (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً ... ) هذه قراءة، وقرأ المدنيان نافع وشيخه يزيد بن القعقاع وابن عامر وابن كثير قارئ مكة ويعقوب قارئ البصرة: (وجعلوا الملائكة هم عند الرحمن) وكلا القراءتين متواترتان، فهم عباده وهم عنده.
وهذه العندية تحدد لنا أين رب البرية، فالملائكة في السموات العلى والله هو العلي الأعلى ولو كانت هذه العندية الثابتة لهم عنديتنا لما كان لهم ميزة علينا ولما كان لتخصيصهم بالعندية فائدة، بل لهم مزيد من قرب إلى الرب جل وعلا.
الوجه السادس: تصريح الله جل وعلا بأنه في السموات في آيات كثيرة متواترة غراء: (أأمنتم من في السماء ([3])).
علماء الكلام أصحاب الثرثرة والهذيان أكثروا اللغظ والشغب والخصام حول هذا الدليل من القرآن فقالوا: الآية لا تدل على علو الله وفوقيته، لأنه ليس المراد من كون الله في السماء وذاته في العلو بل المراد سلطانه وقهره.
وهذا التأويل أبرد من الثلج كتأويل الضالين السابقين في الفوقية، لأنه إن كان هو السلطان في السماء فمن إذن السلطان في الأرض؟!!.
السلطان هو الله في السماء والأرض لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه، لذلك يقول الله جل وعلا (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) أي بسلطان منه وتمكين وقوة وقدرة إذا أمدكم بذلك فيمكنكم لكن هو جعلكم ضعفاء وعاجزين لا يخرج أحد منكم من سلطانه سبحانه وتعالى.
ومما يقرر هذا أن العاتي فرعون عليه لعنة الله قال لقومه عندما أراد أن يلبس على قومه: (يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى) فهذا يفيد أن نبي الله موسى أخبر قومه ومنهم فرعون بأن الله في العلو على السموات فوق العرش فاستغل فرعون هذه الدعوى فطلب من هامان أن يبني له بناءً عالياً لينظر إلى إله موسى الذي هو في السماء.
ولو كان كلام فرعون باطلاً لرد عليه موسى عليه السلام بأن الله ليس في السماء وفرعون يكذب وهذه القصة التي جرت من فرعون جرت من بعض المشايخ المصريين وقد أفضى لما قدم إذ أنه لما تناقل الناس خبر الصعود إلى القمر فسُأل هل الصعود للقمر ممكن أم لا؟ فقال لهم: أخبركم بالجواب غداً. ففي اليوم التالي امتلأ جامع الأزهر بالناس وجلس الشيخ وقال: هؤلاء كذابون دجالون لأني بقيت البارحة أنظر إلى القمر فلم أر شيئاً!!.
¥