ولا أعلم جوابه هذا كان من باب البله والغفلة أم هو من باب العتو كفرعون إذ كيف سيرى القمر وهو في الأرض؟! كيف سيراه بعينه المجردة؟ فالأفضل لو أنه سكت عن الجواب ولم يجب بهذا.
ولذلك قال أئمتنا: من نفى علو الله فهو فرعوني، ومن أقر بعلو الله فهو موسوي ([4]) محمدي بعد أن قالوا إن المراد بمن في السماء أي بمن في السماء سلطانه قالوا: توجد آيات تعكر على قولكم تدل على أن الله في السموات وفي الأرض كقوله تعالى في سورة الأنعام: (وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون)، فلماذا تقولون إنه فوق عرشه على سمواته وهذه الآية ترد عليكم؟.
نقول: من سوء فهمكن أتيتم وجعلتم الآيات تتضارب ويرد بعضها بعضاً فهذه الآية تحتمل ثلاث معان ٍ كلها صحيحة:
المعنى الأول: عليه جمهور السلف أن الوقف لازم على لفظ (السموات) فيكون معنى (في) أي ظرفية أي في العلو المطلق، والأرض متعلقة بيعلم أي ويعلم سركم وجهركم وما تكسبون في الأرض، أي مع علوه لا تخفى عليه خافيه من أمركم، وانظر هذا المعنى الذي نقل عن جمهور السلف تدل عليه آية الاستواء في سورة الحديد (هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير) فهذه الآية كآية سورة الأنعام حث أخبرنا بأنه فوق السموات على العرش ومع ذلك يعلم ما يلج في الأرض، وهذا الوجه هو أرجح الوجوه وأقواها.
المعنى الثاني: (في السموات وفي الأرض) متعلق بيعلم، والآية لم تسق لبيان أين الله بل لبيان إحاطة الله وعلمه بكل شيء، والتقدير: وهو الله يعلم سركم وجهركم أينما كنتم في السموات أو في الأرض فهو يعلم ما تكسبون ولهذا قال أئمتنا هذا وقف حسن على لفظ الجلالة (وهو الله) ثم تستأنف كلاماً آخر يعلم سركم وجهركم في السموات وفي الأرض ... ، وانظروا هذا في كتاب منار الهدى في الوقف والابتداء للإمام الأشموني، يقول: الوقف على لفظ الجلالة، ويتم المعنى بذلك.
المعنى الثالث: الآية لم تسق لبيان أين الله ولا لبيان إحاطة علمه بكل شيء، إنما سيقت لبيان أنه هو الإله الحق المعبود الذي يجب على أهل السموات وأهل الأرض أن يألهوه ويعبدوه ولا يشركون به شيئاً فالإله هو المألوه أي المعبود، والتقدير: وهو المعبود في السموات وفي الأرض .... فأين الفهم الذي فهمتموه؟!! وهذه المعاني الثلاثة أمامكم ليس في واحدة منها أن الله موجود في الأرض كما تزعمون وأوردوا آية ثانية ليقروا هذا الضلال وهي قوله تعالى في سورة الزخرف (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم) يقولون: إذن فهو موجود في السماء والأرض وليس في السماء كما تقولون.
والجواب: هذه الآية معناها كالمعنى الثالث لآية سورة الأنعام، أي وهو المعبود في السماء وفي الأرض وهو إله من في السماء وإله من في الأرض وهو المألوه في السماء وهو المألوه في الأرض، فلا إله إلا هو.
ونحن نقول لهم أيضاً إن كان في الأرض فعلام يصعد الكلم الطيب إليه وعلام يعرج إليه أشياء ويرفع أشياء؟!! ولو كان الله في الأرض فلماذا عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ما فوق السماء السابعة؟!!.
الوجه السابع: تصريح الله في كتابه بأنه استوى على عرشه في سبع آيات من كتابه ضمن سبع سور:
1) آية سورة الأعراف آية 54: (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يُغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين).
2) آية سورة يونس: آية رقم 3.
3) آية سورة الرعد: آية رقم 2.
4) آية سورة طه: آية رقم 5.
5) آية سورة الفرقان: آية رقم 59.
6) آية سورة السجدة: آية رقم 17.
7) آية سورة الحديد: آية رقم 4.
والمفسرون بحثوا مسألة الاستواء عند أول آية وهي آية سورة الأعراف إلا شيخنا المبارك الشيخ محمد الأمين الشنقيطي فإنه تكلم على الاستواء في الآية الثالثة من سورة يونس (الموضع الثاني) في أضواء البيان.
¥