تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فأين هذه النظرة الديمقراطية للعالم الشرعي التي تسمح بمنافسته ونزوله مع الآخرين للمفاضلة ونحو ذلك مما سبق، مع النظرة التي كانت سائدة من قبل في المجتمع الإسلامي تجله العالم المبنية على التربية الإسلامية الأصيلة التي يظهر شيء منها خلال هذا الأثر الذي رواه ابن عبد البر رحمه الله في كتابه (جامع بيان العلم وفضله) بسنده عن علي رضي الله عنه أنه قال: [[أن من حق العالم أن لا تكثر عليه بالسؤال، ولا تُعْنتَهُ في الجواب .... إلى أن يقول: وعليك أن توقره وتعظمه لله تعالى ما دام يحفظ أمر الله تعالى، ولا تجلس أمامه -يعني لا تتقدم عليه- وإن كانت حاجة سبقت القوم إلى خدمته]].

إن مجموع ما ذُكر وغيره قضى على العلاقة السلمية بين العلماء وبين المثقفين وبقية أفراد المجتمع، بحيث صار المثقف وغيره عموماً لا يعرفون للعالم حقه إلا من رحم الله، ولا يتعاونون مع العالم التعاون المطلوب، ولا ينضوون تحت توجيهه وإشرافه في التربية والتزكية والتعليم ونشر الدعوة، وصار العلماء عموماً أيضاً إلا من رحم الله يصبرون على الناس -بمن فيهم المثقفون- للوصول بهم إلى مستوى ذلك المنهج الرفيع، وإنما يسايرون الأوضاع، وقد يؤصلون للمستوردات الغربية، وقد يخطبون وُدّ المتنفذين سواء كانوا في جهات رسمية أم داخل جماعات؛ يسايرون لأنهم يستصعبون الموقف القدوة لخاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم الذي من المفترض أنهم يرثونه ويقتدون به في كل أحواله، ومن ذلك موقفه حين ألحت عليه البيئة التي حوله في أن يسودوه على طريقتهم أو يملكوه أو يموِّلوه ... إلخ، ولكنه عليه الصلاة والسلام رفض المسايرة، وأبى الالتزام بخصوصية المنهج في غايته ووسائله، حتى وصل بفضل الله إلى النجاح المثالي.

اليوم يتنازل بعض السائرين المستعصيين للموقف النبوي وخصوصية المنهج، فيقبلون طريقة الآخرين ويسايرونهم فيما يزعمونه من تحقيق مكاسب في السلطة والسيادة والمال، ويظنون أنهم بذلك سوف يخدمون الإسلام.

والعلماء الماضون في هذه المسايرة يفتقدون وراثة النبي صلى الله علية وسلم على النحو المطلوب، ويفتقدون مكانة الرفعة والإجلال وخصوصية المنهج، ولا يجنون سوى الوهم والسراب، وتضيع في أثناء ذلك العلاقة السلمية بين العلماء والناس، وهي علاقة التلقي والتعلم والاحترام والاستجابة، وتحل محلها علاقة الندية وعدم التقديم، وأنه ليس أحد أولى من أحد في الأخذ عنه أو التلقي منه.

.............................. .............................

الاستغلال السياسي للطاقات المثقفة لضرب العلماء:

لقد قامت الحملات المعادية للدين الصادرة من تحالف العلمانيين في بلاد المسلين مع القوى الأجنبية بإثارة نعرة التمرد عند المثقفين على مرجعية العلماء، وجندت فئات من المثقفين من الكتاب والصحفيين والمحامين والمدرسين وأساتذة الجامعات والأطباء والباحثين والموظفين والدبلوماسيين والضباط وغيرهم من كافة التخصصات للوقوف معها، واتهام مرجعية العلماء بأنها نوع من الكهنوت والتسلط، وأن سيطرة العلماء تعنى حظر مظاهر الحضارة والانفتاح والتمدن، أو على الأقل تقليصها، وأن الالتزام بالدين لمن يرغب في الالتزام يمكن أن يتم من خلال الاطلاع الشخصي، وأن الدين سهل ويمكن أن يفهمه كل أحد، ولا يحتاج إلى مرجعية، إلى غير ذلك من الشبهات في هذا الباب، والتي تحولت في بعض البلاد إلى ثقافة شاملة، وإلى كتب ومناهج تعليمية، وإلى مادة لوسائل الإعلام، وشعارات وثوابت يتغنى بها ويحرسها الكثير.

هذه الثقافة جعلت كثيراً من العلماء يقفون في موقف الدفاع، ومن أجل التخلص من التهم قد يبالغ بعضهم في المسايرة والموافقة والتأصل للمساواة بين غير المتساوين، بين العالم وغير العالم.

وقد استفاد بعض السياسيين إلى حد كبير وعملوا على تعميقها؛ لأنها تكفل لهم البقاء في بعض المواقع التي لا يجوز أن يشغلها شرعاً ومنطقاً إلا علماء متخصصون في الشرع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير