وإنَّ النَّاظر في حالِ كثيرٍ من أفرادِ الأمَّةِ الإسلاميّة، في طول البلادِ وعرضها، يرى أنَّ هجماتِ أعدائِهم قد أثرت في أبنائِهم، وأنَّ مخططاتِ مفسديهم قد انحرف بسببها كثيرٌ من فِلْذَاتِ أكبادِهِم، فتشوهتْ صورةُ الجيلِ الصاعد، وانحرفتْ عن خُطى أسلافِها.
وما كان هذا الأمرُ ليقع لولا ذلك الفصامُ النَّكِدُ الذي وقعَ بين كثيرٍ من المسلمين وبين كتاب ربِّهِم، وسنةِ نبيهم صلى الله عليه وسلم، وسيرِ أسلافهم، فوجدوا أنفسهم بلا أُسُسٍ، وبلا مبادىء، وبلا تاريخٍ، وبلا قدوات، فانهزموا في أنفسهم، وبهرهم تقدُم غيرهم، فتعلقوا بركابهم، وتشبثوا بأذنابهم،وأخذوا بمفاسدهم، وَعَجَزوا في مدنيتهم عن مواكبتهم.
لذلك كان لزاماً على الجميع: معرفةُ قواعدِ التربية الصحيحة، ليعرف كلُّ فردٍ دورَه ومكانته، وأساليبَ تطبيقِ ما تعلمَ في حياته العملية، وبيئتِه ِ الأسرية، ليؤدي دوره الرائدَ في إخراجِ جيلٍ صالح، ومجاهدٍ ناجح، ومؤمن متمسكٍ بدينه، ساعٍ لإرضاء ربِّه، حريصٍ على الأخذِ بسنة نبيه، مترسمٍ خُطى سلفِهِ الصالح.
وقد تضمن القرآنُ الكريمُ، والسُّنَّةُ المطهرةُ، وسيرُ سلفِ هذه الأمةِ كمَّاً هائلاً من المبادىء والقيم والمعاني والآداب، والأساليبِ التربوية، التي يجبُ أن يُرَبَّى عليها الصغير، ويُشْرِبَ قلبُهُ الأخذ بها، منذ نعومة أظفاره.
* ما يجب على المربي مراعاتُه:
- أولاً: على المربي أن يراعي مراحلَ عمرِ الصغير، وأن يراعي ميوله، وقدراتِه على الفهمِ والأخذِ بما يُلْقَى عليه، فليس كلُّ طفلٍ يعامل كالآخرين، لذلك لا بدّ من مراعاةِ الاختلاف بين كلِّ طفلٍ وآخر، وأن يُبْنَى على هذا الاختلافِ ما يُلقى على الصغيرِ كمّاً وكيفاً.
- ثانياً: وعليه أن يعلم أن فطرةَ الصغيرِ سليمة، وأنَّ ما يلحقها من كدرٍ مَرَدُّهُ إلى مؤثراتٍ خارجيّة، وأنَّ المربي يتحمل الجزء الأكبر من ذلك.
- ثالثاً: وعليه أن يعلم أنَّ الأخلاق تقبل التغيير، من حسنٍ إلى سيء، ومن سيء إلى حسن، لذلك كان واجبُ المربي عظيماً في متابعة الصغير، وفي ملاحظةِ خُلُقه وسلوكه، فما كان حسناً سعى في تثبيته، وما كان سيئاً سعى في تقويمه وإصلاحه.
- رابعاً: وعليه أن يُوَطِّنَ نفسه على الصبر، فإنَّ مرحلة الطفولة طويلة، والواجبُ الملقى عليه كبير، والتربيةُ رسالةٌ شريفة، مَهَمَتُهُ فيها: بذرُ الحسن، وتقويمُ المعوج، وقلعُ القبيح، وصيانةُ العود، وحمايةُ الموجود، والنتائج فبيد الله سبحانه!
- خامساً: وعليه أن يَعْلَمَ أنَّ الصغيرَ يملكُ قدراتٍ عقليةٍ عظيمة؛ كالذكاءِ، وسرعةِ التذكر، والاستيعابِ لما يُلْقَى عليه، وهذه القدراتُ بحاجةٍ إلى إظهارٍ وتنمية، وإلاَّ اضمحلت،أو انحرفت، وهذا يُرِينَا جزءً من عِظَمِ الواجبِ الملقى على المربي، أباً كان أو غيره.
* أهميّة تعليم الصغير القرآن:
لذلك كان لزاماً على كل مصلحٍ أن يحرص على تبصير نفسه، وأن يُشَمِّرَ عن ساعدِ الجد ثوباً طالما أُرسل، حتى غطى كلَّ خير عنده، وكلَّ إصلاح عرفه، بل كان سبباً — بما تراكم عليه من شُبَهٍ وتشويه — في صرف النَّاسِ عن الاعتصام بحبل الله المتين، وبدينه القويم، والسير على صراطه المستقيم.
واعلموا أنَّ في القرءان العظيم، والسنة النبوية المشرفة، وسير سلف هذه الأمة كمّاً كبيراً من المباديء والقيم، والمعاني والآداب، والأساليب التربوية التي يجب أن يُرَبَّى عليها الصغير، ويشرب قلبه الأخذ بها منذ نعومة أظفاره.
وإنَّ من أعظم ما يجب صرف الهمم إليه في تربية الأبناء: ((تعليمهم كتاب الله تعالى)).
هذا الكتاب الذي فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُم، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُم، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُم، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْل، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ الله، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ الله، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِين، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيم، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيم، هُوَ الَّذِي لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاء، وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَة، وَلاَ يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاء، وَلاَ يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدّ، وَلاَ تَنْقَضِي
¥