عَجَائِبُه، هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا [إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ] مَنْ قَالَ بِهِ صَدَق، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِر، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَل، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم.
لذلك ينبغي لولي الصغير أن يوجهه إلى تعلم كتاب الله تعالى منذ صغره، لأنَّه به يتعلم توحيد ربّه، ويأنس بكلامه، ويسري أثره في قلبه وجوارحه، وينشأ نشأةً صالحة على هذا.
قال الحافظ السيوطيُّ — رحمه الله: تعليمُ الصبيانِ القرآن أصلٌ من أصول الإسلام،فينشاؤون على الفطرة، ويسبق إلى قلوبِهِم أنوارُ الحكمة قبل تمكن الأهواء منها، وسوادها بأكدار المعصية والضلال.
وقال ابن خلدون: تعليمُ الولدان للقرآن شعارٌ من شعائر الدين، أخذ بن أهالي الملة،ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لِمَا يسبق إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده، بسبب آيات القرآن، ومتون الأحاديث، وصار القرآن أصلَ التعليمِ الذي بُني عليه ما يُحَصَّلُ بَعْدُ من الملكات.
قال الله تعالى [أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مِشْهُوداً، وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً].
وقال تعالى [وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلاً].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((… وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّة. وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الله، يَتْلُونَ كِتَابَ الله، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُم، إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَة، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَة، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلاَئِكَة، وَذَكَرَهُمْ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَه، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُه)).
إنّكَ أيُّها الأب، وإنّكِ أيَّتُها الأمّ!!
كلَّما أرسلتما أبناءكما لحفظ كتاب الله تعالى، فإنَّكما في الحقيقة لا ترسلانهم إلى مسجد، أو مقرٍّ يحفظون فيه القرآن فقط، وإنّما ترسلانهم إلى مسجدٍ، ومقرِّ تحفيظٍ،وروضةٍ من رياض الجنَّة.
روضةٍ ليس فيها حظ للشيطان.
روضةٍ تُحفَظُ فيها فِلْذَاتُ أكبادنا.
روضةٍ فيها روح وريحان، وربٌّ غير غضبان.
روضةٍ يُنَزِّلُ اللهُ تعالى على أبنائكما فيها سكينَتَه، وتغشاهم فيها رحمتُه، وتحفهم فيها ملائكتُه، ويذكر اللهُ أبناءكما فيمن عنده من الملائكة الكرام، ويباهي بهم حملة عرشه عليهم السلام.
فَعَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَة: أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ رضي الله عنه بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّة، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ (أي مكة) فَقَالَ نَافِعٌ:
ابْنَ أَبْزَى. قَالَ: وَمَنْ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا. قَالَ عُمَرُ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟
قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ عز وجل، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِض. قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ: ((إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ)).
فهذا ابنُ أَبْزَى ـ وهو عبدٌ أُعتق ـ أصبح أميراً على أشرافِ أهلِ مكة؛ من الصحابة والتابعين، وما رفعه إلى هذه المنزلة إلاَّ عِلْمُهُ بكتابِ اللهِ تعالى، وسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وهذه البُشرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم — معاشر الآباء والأمهات — أن أبناءكم سيكون لهم مقامُ الرفعة في الدُّنيا والآخرة، لكونكم علمتموهم كتاب الله، وحرصتم على تمسكهم به، وتطبيقهم ما جاء فيه.
كيف لا؟ وما ساد عطاء، ومجاهد، وعكرمة، والحسن البصري، ومكحول، وغيرهممن سادت المسلمين — وهم موالي، كانوا يباعون — إلا بكتاب الله تعالى.
¥