تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقد كان عطاء عبداً مولداً، من مولدي اليمن، كان أبوه عبداً لامرأة من بني جُمَح، وكان عطاء يعيش من صنع المكاتل، وهو أسود، أفطس، أعور، أشل اليد، أعرج، ثمَّ عَمِيَ، ومع ذلك ساد العرب قبل العجم، بتعلمه كتاب الله تعالى، حيث حفظ القرآن في الكُتَّاب، ثمَّ أقبل على الصحابة رضوان الله عليهم يأخذ عنهم علم الكتاب والسنَّة، حتى أصبح مرجعَ أهلِ مكة، بل مرجع المسلمين في المناسك في زمنه، وكان يُنَادَى في مواسم الحجّ — بأمر الخليفة الأُموي — أن لا يُفتي في الحجِّ إلا عطاء!

وهذه بشارة ثالثة من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، معاشر الآباء والأمهات: قال صلى الله عليه وسلم: ((الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَة، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيه، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَان)).

فكيف بكم — عباد الله، يا من أرسلتم أبناءكم لحفظ كتاب الله تعالى، وحرصتم على ذلك — إذا جئتم ربَّكم يوم القيامة فترون أبناءكم مع خير ملائكة الله تعالى، وهم السَّفَرَةُ الْكِرَامُ الْبَرَرَةُ عليهم السَّلام؟ من يُفَرِّطُ في هذا، ويزهد فيه؟ إلاَّ من ظلم نفسه!

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبّ! مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَار، فَشَفِّعْنِي فِيه! وَيَقُولُ الْقُرْآنُ:

مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْل، فَشَفِّعْنِي فِيه! قَالَ: فَيُشَفَّعَان)).

وهذه بشرى رابعة — يسوقها رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم معاشر الآباء والأمهات — أنَّ أبناءكم، الذين حفظتموهم كتاب الله تعالى، يشفع لهم القرآن عند ربّكم، فلا يرضى حتى يأخذ بأيديهم إلى جنَّات عدن، يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً، ولباسهم فيها حرير!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَبْشِرُواْ! فَإِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ طَرَفُهُ بِيَدِ الله، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيْكُم، فَتَمَسَّكُواْ بِه، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَهْلَكُواْ، وَلَنْ تَضِلُّواْ بَعْدَهُ اَبَداً)).

وهذه بشرى خامسة لكم — أيها الآباء والأمهات — يا من تخشون على مستقبل أبنائكم، يا من تسهرون في التفكير والتخطيط لهم! هذا الله تعالى يضمنُ لكم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أنَّ كتاب الله تعالى حبلُ الله المتين الذي من تمسك به نجى، وَأَمِنَ من الهلاك، وعاش حياةً طيبة، وكان مآلُهُ في الآخرة مع الفائزين.

أما في الآخرة فيبشرنا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم أنَّ القرءان سَيُحَلِّي أبناءنا أحسن الحلل، وَسَيُسْكِنَهُم اللهُ بِهِ الظلل، وسيُنيلهم أعظمَ الحسنات، ويجعلهم في أعلى الدرجات.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: يَا رَبّ! حَلِّه،فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَة، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبّ! زِدْه، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَة، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبّ! ارْضَعَنْهُ فَيَرْضَى عَنْه، فَيُقَالُ لَه: اقْرَأ، وَارْق، وَتُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَة)).

وقال صلى الله عليه وسلم:

((يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأ، وَارْق، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا!)).

وَيَحْكُمُ صلى الله عليه وسلم لأبنائكم بأنَّهم خيرُ النَّاس وأفضلُهم، فيقول:

((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْءَانَ وَعَلَّمَه)).

أمَّا إذا جاء الآباء والأمهات رَبَّهُم يوم القيامة، وكان ابنهم ممن عَلَّمُوه القرءان الكريم، فاستمعوا إلى هذه البشارة العظيمة التي يبشرهم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم بها حيث يقول: ((… وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَة ـ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُه ـ كَالرَّجُلِ الشَّاحِب، فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُك. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُك.

فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآن، الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِر، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَك. وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِه، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَة. فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِه، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِه، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَار، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لاَ يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا، فَيَقُولاَنِ: بِمَ كُسِينَا هَذِه؟

فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآن. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأ، وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأ، هَذًّا كَان، أَوْ تَرْتِيلاً)).

فاحرصوا، بارك الله فيكم، على تربية أبنائكم على حفظ كتاب ربكم،وادفعوهم إلى حلقات تحفيظ القرآن الكريم، فإنَّ فيها نفع عميم.

والله نسأل أن يوفقنا لحسن تربية الصغار، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير