الأمر الثاني: أن القصة لو صحت لا دلالة فيها على اهتمام المسلمين بذلك المنديل، وبل فيها دلالة اهتمام الكفار بذلك، وهذا ليس حجة في دين المسلمين.
الثالث: أننا أمام أمرين اثنين: إما أن المنديل ثبتَ أنه للمسيح عليه السلام أو لم يثبت، فإن كان لم يثبت فلا دلالة في القصة إلا على تعظيم الكفار لمثل هذه الأمور، فهو دليل ضد الأخ زهير لا معه. وإن ثبت أنه منديل المسيح فدلَّ على تفريط المسلمين بآثار الأنبياء الثابتة، وتسليمها للكفار، وهذا يخالف كلام الأخ (زهير) من أنَّ المسلمين حفظوها في قلوبهم وأرواحهم، وعاشوها في حياتهم، ثم قاموا بنقلها تامة لتحفظ في عقول الأجيال!
أما قول الأخ (زهير): (والتبرك لا يعني الشرك، بل إنه لا يؤدي إلى الشرك كما يخاف ويظن البعض، فالعقيدة الإسلامية راسخة في القلوب والعقول).
إن كان يقصد التبرك المشروع الذي تقدم شرحه فصحيح، وإن كان يقصد التبرك الممنوع، فهذا مخالفٌ للواقع المشاهد والمسموع الذي يعرفه كل من له أدنى اطلاعٍ على أحوال الناس، فقد رأيتُ بنفسي في مصر -في مكانٍ يُزعم أنه قبر رأس الحسين رضي الله عنه- الناس يطوفون على القبر كالكعبة، ويستلمون إحدى زواياه بالتكبير، ثم يطوفون عليه، ويتمسحون به، ويدعون الحسين باسمه أن يشفي مرضاهم ويُغني فقراءهم، فلما أنكرتُ عليهم ذلك، قال لي أحد سدنة القبر، مستدلاً على صحة فعلهم، وفاسد قولي: إنه شاهد يد الحسين عيانًا بيانًا تُسلم عليه وتُقره على فعله ذلك!
ويمكنك أن تشاهد القنوات الفضائية، أو المقاطع المرئية على الإنترنت، لترى حجم البدع والشرك والانحراف الذي وقع فيه كثيرٌ من المسلمين، فقد رأيناهم وسمعناهم يزعمون أن الولي الصالح أو الإمام هو الذي يخلق ويحيي ويميت ويقبض الأرواح، ويجري السحاب ويهزم الأحزاب، وغير ذلك مما تشيب له رؤوس الأطفال!
قال الإمام الشوكاني: (وكم سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام، منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضر، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم).
وإن أردتَ شهادةَ من غير أهل السنة، فعليك بما كتبه آية الله العظمى (محمد الخالصي) في كتابه (علماء الشيعة) أو في رسالته إلى (رئيس الحكومة الإيرانية) حيث بيَّن أنه ما من مدينة أو قرية في إيران إلا ويوجد فيها قبر أو شجرة أو صخرة يقدسها الناس، ويلجؤون إليه في قضاء حوائجهم.
بل اقرأ كتب الصوفية وكراماتهم والتراجم المتأخرة وستتكرر أمامك كثيراً عبارة: وقبره تُقضى عنده الحاجات، وتفرّج فيه الكربات! وقبره ظاهر يُزار ويُتبرك به! وأشد من ذلك!
ولا أدري لو أن الأخ زهيراً رأى عمرَ بن الخطاب –رضي الله عنه-، وهو يقطع تلك الشجرة حتى لا يفتتن الناس بها، فهل سيعترض عليه، ويقول: إن العقيدة الإسلامية راسخةٌ في القلوب والعقول؟!
أما قياسُه ثبوت مواقع بعض الآثار المزعومة بموضع (إبليس) – كما تسميه- فقياس غير صحيح، لأننا عرفنا مواضع الجمرات وغيرها: من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يُؤدي المناسك و يحدد المشاعر، فهذا دينٌ أُخذ من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الذي أمرنا بذلك، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: (خذوا عني مناسككم)، فعرفنا بها ثبوت مواضع المناسك بصورة قطعية. وليس هناك نقلٌ ثابتٌ من وقت خليل الرحمن –عليه السلام- إلى اليومَ يمكن التعويلُ عليه في إثبات تلك المواضع التي وقف فيها إبليس.
أما الاستدلال بأقوال علماء النفس والاجتماع، فليس بحجة في العقيدة والدين، فالدين يُؤخذُ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وليس علم النفس حجة في الدين والعقيدة.
¥