تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كما أنه لا يجوز الاحتجاج في العقيدة الإسلامية بما فعله الفراعنة واليهود والنصارى والوثنين، كيف ذلك ونبينا الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، كما رواه البخاري، قال: (لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لسلكتموه). وكذا قال صلى الله عليه وآله وسلم، كما رواه البخاري أيضًا: (لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها، شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع. فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك). بل ذلك عين المخالفة للحديث الصحيح: (لا تُطْروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم)!

ولذا، فنحن نفتخر ونعتز ونتبرك باتباع سنة نبينا الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، وما ثبت عنه، وما فعله الصحابة رضوان الله عليهم، ولا يسعنا إلا أن نتبعهم شبرًا بشبر. ولذا فنحن نؤمن بالتبرك الذي دلَّ عليه النقل الصحيح، كالتبرك بتلاوة القرآن الكريم، وذكر الله، والتبرك بذات النبي في حياته وبما ثبت من آثاره المنفصلة عنه، ونتبرك بدعاء الصالحين لا بذواتهم أو آثارهم، ونتبرك بشرب ماء زمزم، ونحوه مما أرشدنا النص الصحيح إليه، فهذه عبادة، والعبادة توقيفية لا اجتهاد فيها ولا قياس.

وكذلك نؤمن ببركة ما ثبت في الصحيح، كبركة مكة والمدينة، والأقصى، والشام، واليمن، وبركة عجوة المدينة، وبركة شجرة الزيتون، والنخلة، وبركة اللبن، وبركة السحور، وبركة المطر، وبركة الخيل، إلى آخر ما ثبت. وبركة بعض الأزمان؛ كأيام رمضان، والعشر من ذي الحجة، وأيام التشريق، وليلة القدر، ويوم الجمعة، وبركة الثلث الآخير من الليل، وغيرها.

نأخذ كل ذلك من قوله وفعله صلى الله عليه وآله وسلم، وفعل أصحابه رضي الله عنهم، لا من الفراعنة أو الوثنيين واليهود والنصارى!

رابعاً: بعد اتضاح الموضوع للمنصف المتّبع للدليل الصحيح فلا بد من بيان نقطة أخرى مهمة جدًا تتصل بالمقام، وهي: أنه لا يوجد شخصٌ يساوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو يُدانيه في الفضل، ولذا فإن بركة ذاته وأفعاله وآثاره خاصةٌ به صلى الله عليه وآله وسلم، ليست لأحدٍ غيره، ونحن إنما علمنا مشروعية التبرك بذاته وآثاره صلى الله عليه وآله وسلم من فعل الصحابة -رضوان الله عليهم- ومن إقرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم بذلك واستحبابه ذلك، ومن الطريق نفسه علمنا عدم مشروعية التبرك بغيره؛ علمناه بما صحَ عن الصحابة رضوان الله عليهم. فهذا الأمر دين، والدين يُؤخذ بالنقل الصحيح، وليس بالأقيسةِ أو استحسان العقل، فالأصلُ في العبادات أنها لا يُشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، والدين قد تمّ وكَمُل بنص الآية الكريمة، ولم يبق فيه مجالٌ لمستدرك.

فلم يُنقل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر أو استحب لأصحابه التبرك بذات غيره أو آثاره، ولم يُنقل أن أحدًا من الصحابة –رضي الله عنهم- تبرك بذات غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو آثاره، لا في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا بعد مماته.

كذلك لم يتبرك أحد من الصحابة بأصحاب السبق والفضل فيهم، كالخلفاء الأربعة، أو العشرة المبشرين بالجنة.

قال الإمام الشاطبي في كتابه (الاعتصام) عن الصحابة: (لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبركًا تبرك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها -يعني التبرك بالآثار- بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسير التي اتبعوا فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهو إذن إجماعٌ منهم على ترك تلك الأشياء).

ثم بيَّن الإمام الشاطبي سبب إجماع الصحابة على ترك التبرك بغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنهم اعتقدوا فيه الاختصاص، وأنَّ من تبرك بغيره فهو مُبتدع.

وقد أكد الإمام ابن رجب على أنَّ التبرك بالآثار إنما كان يفعله الصحابة مع النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يكونوا يفعلونه مع بعضهم، ولم يكن يفعله التابعون مع الصحابة.

قال ابن رجب: (دل على أن هذا لا يُفعل إلا مع النبي، صلى الله عليه وآله وسلم).

وفي الختام نسأل الله الهداية والتوفيق والسداد لجميع المسلمين، وأن يجعلنا ممن اتبع النبي صلى الله عليه وسلم الاتباع الكامل فأحبه الله وغفر له، كما قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)، آمين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير