وقال: فلولا أنه المعبود المحبوب لذاته لم يصلح قط شىء من الأعمال والحركات بل كان العالم يفسد وهذا معنى قوله لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا ولم يقل لعدمتا وهذا معنى قول لبيد ... ألا كل شىء ما خلا الله باطل.
مجموع الفتاوى (5
515)
وقال: الواجب إثبات الأمرين أنه سبحانه رب كل شيء وإله كل شيء فإذا كانت الحركات الإرادية لا تقوم إلا بمراد لذاته وبدون ذلك يفسد ولا يجوز أن يكون مرادا لذاته إلا الله كما لا يكون موجودا بذاته إلا الله علم أنه {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}.
وهذه الآية فيها بيان أنه لا إله إلا الله , وأنه لو كان فيهما آلهة غيره لفسدتا وتلك الآية قال فيها {إذا لذهب كل إله بما خلق} ووجه بيان لزوم الفساد أنه إذا قدر مدبران ما تقدم من أنه يمتنع أن يكونا غير متكافئين لكون المقهور مربوبا لا ربا , وإذا كانا متكافئين امتنع التدبير منهما لا على سبيل الاتفاق ولا على سبيل الاختلاف فيفسد العالم بعدم التدبير لا على سبيل الاستقلال ولا على سبيل الاشتراك كما تقدم.
وهذا من جهة امتناع الربوبية لاثنين ويلزم من امتناعهما امتناع الإلهية فإن ما لايفعل شيئا لا يصلح أن يكون ربا يعبد , ولم يأمر الله أن يعبد , ولهذا بين الله امتناع الإلهية لغيره تارة ببيان أنه ليس بخالق , وتارة أنه لم يأمر بذلك لنا كقوله تعالى: {قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين}.
منهاج السنة (3
333 - 334)
المسألة التاسعة: طرقهم في إثبات وجود الله وفيها مسائل
أ– الجوهر الفرد
يرى الأشاعرة أن الأجسام تتكون من الجواهر الفردة.
فالجوهر الفرد - عندهم - هو الجزء الذي لا يتجزأ، وهي الوحدة الأساسية في تأليف الجسم. قال الشيخ محمد خليل هراس: وقد غلا المتكلمون من المعتزلة والأشاعرة في التعويل على نظرية الجواهر الفردة وهي في الأصل نظرية يونانية قديمة قال بها ديموكريتس الفيلسوف الطبيعي اليوناني وقد بنوا عليها كثيرا من الأصول الإيمانية فجعلوها عمدتهم في الاستدلال على حدوث العالم ووجود المحدث له حتى أن أحد كبار الأشاعرة وهو القاضي أبو بكر الباقلاني قد أوجب الإيمان بوجود الجوهر الفرد بناء على أن الإيمان بوجود الله متوقف على ثبوته وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كما بنوا على تلك النظرية ما يترتب على حدوث العالم من أن الله فاعل بالاختيار لا موجب بالذات كما يقوله الفلاسفة وأنه لا تأثير لشيء من الأسباب في مسبباتها بل يخلق الله الأشياء عند وجود أسبابها لا بها.
وهكذا انحرف المتكلمون عن الجادة واعتمدوا في استدلالهم على وهم كاذب وربطوا به مصير العقائد الإيمانية كلها ...
ثم قال رحمه الله: والجوهر الفرد الذي زعمه أهل الكلام ونصبوه صنما لهم تدور حوله كل أفكارهم ومذاهبهم قامت أدلة كثيرة على بطلانه وكان الذي قام بإبطاله هم الفلاسفة انتصارا لمذهبهم الهيولي والصورة وقد قام المتكلمون من جانبهم بإبطال نظرية الفلاسفة وهكذا ضرب الله بعض المبطلين ببعض وبقي أهل الحق والإيمان بمنجى من هذا الإفك والبهتان.
شرح القصيدة النونية (2
29)
وقال أحمد شمس الدين في تعليقه على الكشف لابن رشد (10):ويناقشهم ابن رشد في هذا الدليل فيرى أولا أنهم يعتمدون على نظرية إغريقية قديمة , هي نظرية الذرة التي قال بها ديمقريطس. ونلاحظ أن نظرية الذرة عند القدماء قد استخدمت لتحقيق غرض مناقض لما يريده المعتزلة والأشاعرة أي أنها كانت سبيلا إلى إنكار وجود الله , وإلى تفسير الكون تفسيرا ماديا بحتا. هذا إلى أنه من العسير أن نبرهن بطريقة عقلية على حدوث جميع الأعراض بناء على ما نلاحظه من حدوث بعضها؛ فإذا تبين لنا أن النبات ينمو ثم يصفر ثم يندثر فهل يتبين لنا عن طريق الحس أو التجارب أن الزمان له أول وآخر؟ وليس معنى ذلك أن ابن رشد يقول بقدم العالم ولكنه يريد القول بأن أهل علم الكلام يعجزون عن إثبات حدوث الزمان والعالم بطرقهم الجدلية.انتهى
¥