النعمتان لا يجوز عند أهل اللسان أن يقول قائلهم: فعلت بيدي وهو يعني النعمتين" انتهى وليس وراء ذلك غاية.
وأما قوله: ((ولا مجئ وإتيان بمعني بر ولطف)) فلا شرع يعضده ولا لغة تنصره لا كما زعم فمن قال إن الإتيان والمجئ بمعني البر واللطف قال تعالى (فأتى الله بنيانهم من القواعد) وقال (أتي أمر الله فلا تستعجلوه) وقال فرعون (ءاتوني بكل ساحر) بمعني (لطف الله ببنيانهم) و (لطف امر الله وبر فلا تستعجلوه) و (بروني والطفوا بي بكل ساحر)! هذا مم تأباه العقول والفطر.
وأما قوله (ساق بمعني شدة) فغير مسلم هكذا صنع بلفظة ساق فما يصنع بلفظة (رجل) فإن النار تستزيد الله تعالى قال النبي: ((حتى يضع تبارك وتعالى فيها رجله فتقول قط قط)) رواه مسلم والبخاري بلفظ (قدمه) أيقال يضع فيها شدته كما قيل في الساق مع أن الأول غير مسلم لك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( .... فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه فيقولون الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقاى من كان يسجد لله رياء)) هذا لفظ البخاري.
هل يقولون: بيننا وبينه آية (الشدة) فيكشف عن شدته؟! هذا تحقيق ابن الجوزي وأمثاله في مسائل التوحيد!
ذلكم التحقيق الذي لم يرتضه أحد من أئمة ذلك الشأن ولذا نقم عليه غير واحد منهم؛قال ابن رجب في ((ذيل طبقات الحنابلة 1/ 372)) ناقلاً عن ابن النجار قال: "ومنها (أي المآخذ عليه) وهو الذي من أجله نقم جماعة من مشايخ أصحابنا وأئمتهم من المقادسة والعلثيين- من ميله إلى التأويل في بعض كلامه، واشتد نكرهم عليه في ذلك. ولا ريب أن كلامه في ذلك مضطرب مختلف، وهو وإن كان مطلعًا على الأحاديث والآثار في هذا الباب، فلم يكن خبيرًا بحل شبهة المتكلمين، وبيان فِسادها. وكان معظمًا لأبي الوفاء بن عقيل يتابعه في أكثر ما يجد في كلامه وإن كان قد ورد عليه في بعض المسائل. وكان ابن عقيل بارعًا في الكلام، ولم يكن تام الخبرة بالحديث والآثار. فلهذا يضطرب في هذا الباب، وتتلون فيه آراؤه. وأبو الفرج تابع له في هذا التلون.
قال الشيخ موفق الدين المقدسي: كان ابن الجوزي إمام أهل عصره في الوعظ، وصنف في فنون العلم تصانيف حسنة. وكان صاحب قبول. وكان يدرس الفقه ويصنف فيه. وكان حافظًا للحديث. وصنف فيه، إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنة، ولا طريقته فيها" انتهى
وقال الذهبي (السير 21/ 381): وكتب إلي أبو بكر بن طرخان: أخبرنا الامام موفق الدين، قال: ابن الجوزي إمام أهل عصره في الوعظ، وصنف في فنون العلم تصانيف حسنة، وكان صاحب فنون، كان يصنف في الفقه، ويدرس، وكان حافظا للحديث، إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنة، ولا طريقته فيها، وكانت العامة يعظمونه، وكانت تنفلت منه في بعض الاوقات كلمات تنكر عليه في السنة، فيستفتي عليه فيها، ويضيق صدره من أجلها "اهـ
وقال السيف (السير 21/ 383): ما رأيت أحدا يعتمد عليه في دينه وعلمه وعقله راضيا عنه "اهـ
وقال: وقال جدي: كان أبو المظفر ابن حمدي ينكر على أبي الفرج كثيرا كلمات يخالف فيها السنة. اهـ وجده هو الموفق ابن قدامة.
وقال الذهبي في تاريخ الإسلام:" قلت: ومع تبحر ابن الجوزي في العلوم وكثر اطلاعه وسعة دائرته ولم يكن مبرزا في علم من العلوم وذلك شأن كل من فرق نفسه في بحور العلم. ومع أنه كان مبرزا في التفسير والوعظ والتاريخ ومتوسطا في المذهب متوسطا في الحديث له اطلاع تام على متونه. وأما الكلام على صحيحه وسقيمه فما له فيه ذوق المحدثين ولا نقد الحفاظ المبرزين. فإنه كثير الاحتجاج الأحاديث الضعيفة مع كونه كثير السياق لتلك الأحاديث في الموضوعات. والتحقيق أنه لا ينبغي الاحتجاج بها ولا ذكرها في الموضوعات وربما ذكر في الموضوعات أحاديث حسانا قوية "اهـ
قلت: وهو بالضعف في أمر المعتقد أولى.وقال أيضاً:" قلت: وكلامه في السنة مضطرب تراه في وقت سنياً وفي وقت متجهماً محرفاً للنصوص والله يرحمه يغفر له "اهـ
ثم إن ابن الجوزي هو القائل (سير أعلام النبلاء 21/ 376):" أهل الكلام يقولون: ما في السماء رب، ولا في المصحف قرآن، ولا في القبر نبي، ثلاث عورات لكم " اهـ وهذا كله إنما رمي به الأشاعرة!
ثم اعلم أن دندنة اولئك بحكاية أن السلف امروها كما جاءت مع اعتقادهم نفي الظاهر المتبادر فيه حق وباطل؛ قال شيخ الإسلام [الفتوى الحموية 159 – 160]: ((واعلم أن من المتأخرين من يقول مذهب السلف إقرارها على ما جاءت به مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد وهذا اللفظ مجمل فإن قوله ظاهرها غير مراد يحتمل أنه أراد بالظاهر نعوت المخلوقين وصفات المحدثين مثل أن يراد بكون الله قبل وجه المصلى أنه مستقر فى الحائط الذى يصلى إليه وأن الله معنا ظاهره أنه الى جانبنا ونحو ذلك فلا شك أن هذا غير مراد.
ومن قال إن مذهب السلف أن هذا غير مراد فقد أصاب فى المعنى لكن أخطأ بإطلاق القول بأن هذا ظاهر الآيات والاحاديث فان هذا المحال ليس هو الظاهر على ما قد بيناه فى غير هذا الموضع اللهم الا أن يكون هذا المعنى الممتنع صار يظهر لبعض الناس فيكون القائل لذلك مصيباً بهذا الاعتبار معذوراً فى هذا الإطلاق فإن الظهور والبطون قد يختلف باختلاف أحوال الناس وهو من الأمور النسبية وكان أحسن من هذا أن يبين لمن اعتقد أن هذا هو الظاهر أن هذا ليس هو الظاهر حتى يكون قد أعطى كلام الله وكلام رسوله حقه لفظاً ومعنى وإن كان الناقل عن السلف أراد بقوله الظاهر غير مراد عندهم أن المعانى التى تظهر من هذه الآيات والأحاديث مما يليق بجلال الله وعظمته ولا يختص بصفة المخلوقين بل هى واجبة لله أو جائزة عليه جوازاً ذهنياً أو جوازاً خارجياً غير مراد فهذا قد أخطأ فيما نقله عن السلف أو تعمد الكذب فما يمكن أحد قط أن ينقل عن واحد من السلف ما يدل لا نصاً ولا ظاهراً أنهم كانوا يعتقدون أن الله ليس فوق العرش ولا أن الله ليس له سمع ولا بصر ولا يد حقيقة)) انتهى
¥