تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن قال قائل: ما أنكرتم أن يكون قوله تعالى: (مما عملت أيدينا) وقوله تعالى: (لما خلقت بيدي على المجاز؟ قيل له: حكم كلام الله تعالى أن يكون على ظاهره وحقيقته ولا يخرج الشيء عن ظاهره إلى المجاز إلا بحجة ألا ترون أنه إذا كان ظاهر الكلام العموم فإذا ورد بلفظ العموم والمراد به الخصوص فليس هو على حقيقة الظاهر وليس يجوز أن يعدل بما ظاهره العموم عن العموم بغير حجة كذلك قوله تعالى: (لما خلقت بيدي) على ظاهره أو حقيقته من إثبات اليدين ولا يجوز أن يعدل به عن ظاهر اليدين إلى ما ادعاه خصومنا إلا بحجة ولو جاز ذلك لجاز لمدع أن يدعي أن ما ظاهره العموم فهو على الخصوص وما ظاهره الخصوص فهو على العموم بغير حجة وإذا لم يجز هذا لمدعيه بغير برهان لم يجز لكم ما ادعيتموه أنه مجاز أن يكون مجازا بغير حجة بل واجب أن يكون قوله تعالى: (لما خلقت بيدي) إثبات يدين لله تعالى في الحقيقة غير نعمتين إذا كانت النعمتان لا يجوز عند أهل اللسان أن يقول قائلهم: فعلت بيدي وهو يعني النعمتين" انتهى وليس وراء ذلك غاية.

وأما قوله: ((ولا مجئ وإتيان بمعني بر ولطف)) فلا شرع يعضده ولا لغة تنصره لا كما زعم فمن قال إن الإتيان والمجئ بمعني البر واللطف قال تعالى (فأتى الله بنيانهم من القواعد) وقال (أتي أمر الله فلا تستعجلوه) وقال فرعون (ءاتوني بكل ساحر) بمعني (لطف الله ببنيانهم) و (لطف امر الله وبر فلا تستعجلوه) و (بروني والطفوا بي بكل ساحر)! هذا مم تأباه العقول والفطر.

وأما قوله (ساق بمعني شدة) فغير مسلم هكذا صنع بلفظة ساق فما يصنع بلفظة (رجل) فإن النار تستزيد الله تعالى قال النبي: ((حتى يضع تبارك وتعالى فيها رجله فتقول قط قط)) رواه مسلم والبخاري بلفظ (قدمه) أيقال يضع فيها شدته كما قيل في الساق مع أن الأول غير مسلم لك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( .... فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه فيقولون الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقاى من كان يسجد لله رياء)) هذا لفظ البخاري.

هل يقولون: بيننا وبينه آية (الشدة) فيكشف عن شدته؟! هذا تحقيق ابن الجوزي وأمثاله في مسائل التوحيد!

ذلكم التحقيق الذي لم يرتضه أحد من أئمة ذلك الشأن ولذا نقم عليه غير واحد منهم؛قال ابن رجب في ((ذيل طبقات الحنابلة 1/ 372)) ناقلاً عن ابن النجار قال: "ومنها (أي المآخذ عليه) وهو الذي من أجله نقم جماعة من مشايخ أصحابنا وأئمتهم من المقادسة والعلثيين- من ميله إلى التأويل في بعض كلامه، واشتد نكرهم عليه في ذلك. ولا ريب أن كلامه في ذلك مضطرب مختلف، وهو وإن كان مطلعًا على الأحاديث والآثار في هذا الباب، فلم يكن خبيرًا بحل شبهة المتكلمين، وبيان فِسادها. وكان معظمًا لأبي الوفاء بن عقيل يتابعه في أكثر ما يجد في كلامه وإن كان قد ورد عليه في بعض المسائل. وكان ابن عقيل بارعًا في الكلام، ولم يكن تام الخبرة بالحديث والآثار. فلهذا يضطرب في هذا الباب، وتتلون فيه آراؤه. وأبو الفرج تابع له في هذا التلون.

قال الشيخ موفق الدين المقدسي: كان ابن الجوزي إمام أهل عصره في الوعظ، وصنف في فنون العلم تصانيف حسنة. وكان صاحب قبول. وكان يدرس الفقه ويصنف فيه. وكان حافظًا للحديث. وصنف فيه، إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنة، ولا طريقته فيها" انتهى

وقال الذهبي (السير 21/ 381): وكتب إلي أبو بكر بن طرخان: أخبرنا الامام موفق الدين، قال: ابن الجوزي إمام أهل عصره في الوعظ، وصنف في فنون العلم تصانيف حسنة، وكان صاحب فنون، كان يصنف في الفقه، ويدرس، وكان حافظا للحديث، إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنة، ولا طريقته فيها، وكانت العامة يعظمونه، وكانت تنفلت منه في بعض الاوقات كلمات تنكر عليه في السنة، فيستفتي عليه فيها، ويضيق صدره من أجلها "اهـ

وقال السيف (السير 21/ 383): ما رأيت أحدا يعتمد عليه في دينه وعلمه وعقله راضيا عنه "اهـ

وقال: وقال جدي: كان أبو المظفر ابن حمدي ينكر على أبي الفرج كثيرا كلمات يخالف فيها السنة. اهـ وجده هو الموفق ابن قدامة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير