تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت:وهذا ليس فيه أدنى حجة لكم. والسلف إذ تكلموا في الاستواء تكلموا بما تفهمه العامة وتعقله وعليه أنزل الله الكتاب لم ينزله طلاسم لا يدريها أحد كما يقول بعضهم ولا أنزله مباحث لا يخبرها غير فئة قليلة من الخاصة كما تقول الباطنية إنما أنزله بما يفهم ولذا قال ابن عيينة: تفسيره تلاوته. أي أنه غير مشكل ولا غائر المعنى لتتكلفوا تأويله ولذا جميع آيات الصفات لم يعدها المصنفون في الغريب من الغريب إنما هي من البين السهل القريب ولذا قال يزيد بن هارون (خلق أفعال العباد:ص 19):" من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي "اهـ

فالرب رب واحد وكتابه حق وفهم الحق منه دانِ

ورسوله قد أوضح الحق المبين بغاية الايضاح والتبيانِ

ما ثم أوضح من عبارته فلا يحتاج سامعها إلى تبيانِ

ثم قال السبكي الجهمي الذي لا يدري من يعبد: ((ويقولون في حديث (ينزول ربنا إلى سماء الدنيا) ينزل نزولاً يليق به لا يعلمه إلا هو تعالى، وأما حديث الجارية وهو ما أخرجه مسلم وأبو داود في باب نسخ الكلام في الصلاة من طريق معاوية بن الحكم، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للجارية: (أين الله؟) قالت: (في السماء) قال: (من أنا؟) قالت: (أنت رسول الله) قال أعتقها فإنها مؤمنة، فيقولون فيه ما قالوه في آية (ءأمنتم من في السماء) وهكذا سائر أحاديث الصفات المتشابهة، واستدلوا على ذلك بقول الله عز وجل (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله) قالوا الوقف هنا تام، وأما الراسخون في العلم إلخ فكلام مستأنف لبيان أن أكابر ذوي العلم مصدقون بثبوت المتشابه في القرآن)) انتهى

قلت: تقدم الكلام عن كون آيات الصفات ليست من المتشابه الذي هو عند السبكي من الذي لا معني له وإنما أنزله الله لتتلوه الألسنة ولا تفهم منه شيئاً كالكلام الأعجمي.

ثم قال: ((وأما الخلف رحمهم الله تعالى فيقولون في هذه الآيات والأحاديث هي معروفة المعنى، فمعنى (الرحمن على العرش استوى) استولى بالقهر والتصرف، ومعنى (ءأمنتم من في السماء) من في السماء عذابه أو سلطانه ومصدر أمره، أو هو كناية عن تعظيم الله تعالى بوصفه بالعلو والعظمة، وتنزيهه عن السفل والتحت لا أنه سبحانه وتعالى حال فيها!! لأن الحلول من صفات الأجسام وأمارات الحدوث والله منزه عن ذلك، ومعنى (ينزل ربنا إلى سماء الدنيا) ينزل رسوله أو رحمته، وأما إقرار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الجارية على إشارتها نحو السماء فاكتفاء منها بما يدل على عدم شركها لتعتق، لأنه بإشارتها إلى السماء علم أنها ليست ممن يعبد الأصنام التي في الأرض، وهكذا في سائر الآيات والأحاديث بناء منهم على كون الوقف في الآية الشريفة على قوله تعالى (والراسخون في العلم) مستدلين على ذلك بكون القرآن عربياً، ولغة العرب ناطقة بتلك المعاني، والفضل الزائد للسلف)) انتهى

قلت: قولهم استوى بمعني (استولى) مما لا دليل عليه لا من كتاب ولا من سنة ولا من لغة ولا عقل صحيح قال الإمام عبد العزيز الكناني وهو من قدماء أصحاب الشافعي الذي اتفقت جميع الطوائف علي تعظيمه: ((زعمت الجهمية في قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] إنما المعنى استولى كقول العرب: استوى فلان على مصر استوى فلان على الشام يريد استولى عليها) قال: (فيقال له: هل يكون خلق من خلق الله أتت عليه مدة ليس الله بمستول عليه فإذا قال: لا قيل له: فمن زعم ذلك؟ فمن قوله: من زعم ذلك فهو كافر يقال له: يلزمك أن تقول: إن العرش قد أتت عليه مدة ليس الله بمستول عليه وذلك أن الله تبارك وتعالى أخبر أنه خلق العرش قبل خلق السماوات والأرض ثم استوى عليه بعد خلق السماوات والأرض.

قال الله عز وجل: {وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء} [هود: 7] فأخبر أن العرش كان على الماء قبل السماوات والأرض.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير