مهملًا لمصالح نفسه مضيعًا لها قد أغفل الله قلبه عن ذكره، واتبع هواه، وكان أمره فرطًا، قد انفرطت عليه مصالح دنياه وآخرته، وقد فرط في سعادته الأبدية، واستبدل بها أدني ما يكون من لذة"اهـ
· فصل في قوله:
أنا كنت يا رب أسير غشاوة ... رانت على قلبي فضلَّ سناكا
(قلت): قوله (سناكا) يعني بها (نورك) المتضمن لزامًا معنى (هداك)، فيه تجوز؛ لأن السنا لفظ أعجمي كمال قال غير واحد من المحققين؛ ولذا قال ابن حجر العسقلاني في نظمه تكملة الألفاظ المعربة في القرآن ([13]):
وهيت، والسكر، الأواه، مع حصب ... وأوبي معه، والطاغوت، مسطور
صرهن، إصري، وغيض الماء، مع وزر ... ثم الرقيم، مناص، والسنا النور
ولكن قال السيوطي رحمه الله ([14]):" سنا عده الحافظ ابن حجر في نظمه ولم أقف عليه لغيره"اهـ
ولكن في مسائل ابن الأزرق ([15]): أنه سأل ابن عباس: أخبرني عن قوله تعالى (يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ) [النور:43] قال: السنا:الضوء.قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم،أما سمعت أبا سفيان بن الحارث يقول:
يدعو إلى الحق لا يبغي به بدلا ... يجلو بضوء سناه داجي الظلم.
(قلت):وإضافة الشيء إلى مرادفه جار على قواعد العربية وسليقة العرب، لا غرابة فيه.
فالحاصل أن في اللفظ تجوزًا، والأولى ترك مثل ذلك،والله أعلم.
فصل في قوله:
قل للجنين يعيش معزولًا بلا ... راعٍ ومرعى: ما الذي يرعاكا؟ (قلت): استعمال (ما) في ذلك الموضع وفي قوله:
بل سائل اللبن المصفى كان بيـ ... ــن دم وفرث: ما الذي صفاكا؟
وقوله أيضًا:
قل للوليد بكى وأجهش بالبكا ... ء لدى الولادة: ما الذي أبكاكا؟
وقوله أيضًا:
وأسأل شعاع الشمس وهي أبـ ... ــعد كل شيء:ما الذي أدناكا؟
كل ذلك موهم بأنه استفهام عن عاقل ونحوه وليس استفهامًا عن حالة أو غير عاقل، وتلك الباقعة الكبرى والفاقرة العظمى في نحو قوله (ما الذي أبكاكا؟)، وعهدي بالعامة إذا سمعوا هذه الأبيات التي تضمنت الاستفهام أنهم يجيبون في صوت واحد بقولهم:الله الله! وذلك لأن الذي يبكي الوليد لدى الولادة هو نخس الشيطان إياه في خصره، ومصداق ذلك في ما حرره ابن كثير في تاريخه فقال ([16]):"وقولها: (وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [آل عمران:36]،وقد استجيب لها في هذا كما تقبل منها نذرها؛ فقال الإمام أحمد: حدثنا عبدالرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:" ما من مولود إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل صارخًا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها"، ثم يقول أبو هريرة: واقرؤا (وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) أخرجاه من حديث عبدالرزاق، ورواه ابن جرير، عن أحمد بن الفرج، عن بقية عن عبدالله بن الزبيدي، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه و سلم:بنحوه.
وقال أحمد –أيضًا-:حدثنا إسماعيل بن عمر، حدثنا ابن أبي ذؤيب، عن عجلان مولى المشمعل، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال:" كل مولود من بني آدم يمسه الشيطان بأصبعه إلا مريم بنت عمران وابنها عيسى" تفرد به من هذا الوجه.
ورواه مسلم عن أبي الطاهر، عن ابن وهب، عن عمر بن الحارث، عن أبي يونس، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه و سلم: بنحوه. وقال أحمد: حدثنا هشيم، حدثنا حفص بن ميسرة، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة،أن النبي صلى الله عليه و سلم، قال:"كل إنسان تلده أمه يلكزه الشيطان في حضينه إلا ما كان من مريم وابنها. ألم تر إلى الصبي حين يسقط كيف يصرخ؟! قالوا: بلى يا رسول الله. قال:" ذلك حين يلكزه الشيطان بحضينه".وهذا على شرط مسلم، ولم يخرجه من هذا الوجه.
¥