تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ونرد عليها فنقول: إن السنة الحسنة لا تكون إلا لما له أصل في الدين كالصدقة التي كانت سبباً لورود الحديث، وكقول عمر - رضي الله عنه - عندما جمع الناس لصلاة التراويح فقال: "نَعِمَتِ البدعة" بخلاف البدع؛ فإن كلها مذمومة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار))، فلفظ "كل" هو من ألفاظ العموم، و"بدعة" نكرة دلت على العموم، فدل على أن جميع البدع ضلالة، ثم قال: "وكل ضلالة في النار" فيشمل جميع أنواع البدع، إذ ليس في الدين بدعة حسنة، ولو كان في الدين بدعة حسنة لأخبرنا بها النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أخبرنا بأن جميع البدع ضلالة، فكان سيستثني منها.

الشبهة الثانية: تفسيرهم قول الله - تبارك وتعالى -: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون}، أن الرحمة في هذه الآية هو محمد - صلى الله عليه وسلم -، والرد عليها: أن اذكروا لنا من فسر هذه الآية بهذا التفسير من العلماء الذين يعتمد عليهم، بل قد قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "أي بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا، فإنه أولى ما يفرحون به {هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} أي من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة "، وقال العلامة ابن سعدي - رحمه الله -: "يقول - تعالى - مرغباً للخلق في الإقبال على هذا الكتاب الكريم بذكر أوصافه الحسنة الضرورية للعباد فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} أي: تعظكم، وتنذركم عن الأعمال الموجبة لسخط الله المقتضية لعقابه، وتحذركم عنها ببيان آثارها ومفاسدها؛ {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} وهو هذا القرآن، شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع، وأمراض الشبهات القادحة في العلم اليقيني، فإن ما فيه من المواعظ والترغيب والترهيب، والوعد والوعيد؛ مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة؛ ... إلى أن قال: ولذلك أمر - تعالى - بالفرح بذلك فقال: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ} الذي هو القرآن، الذي هو أعظم نعمة ومنة، وفضل تفضل الله به على عباده {وَبِرَحْمَتِهِ} الدين والإيمان، وعبادة الله، ومحبته ومعرفته {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} من متاع الدنيا ولذاتها"، فإذن لم يرد تفسير الرحمة بأنها النبي - صلى الله عليه وسلم - كما زعموا.

الشبهة الثالثة: قولهم أن الاحتفال بالمولد هو إحياء لذكرى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وهذا مشروع في الإسلام؛ كما أن الحاج يفعل في جميع المناسك كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهي إذن إحياء لذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وللرد عليها نقول: إن ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوع في كل زمان قال الله - تبارك وتعالى -: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك} قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: " قال مجاهد: لا أُذكَرُ إلا ذُكِرْتَ معي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وقال قتادة: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله "، ولم ينقل عن أحد من الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم أجمعين - أن واحداً منهم احتفل بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهم من هم في الحب له والاتباع.

الشبهة االرابعة: زعمهم أن شعراء الصحابة كانوا يقولون القصائد في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - كحسان بن ثابت، وكعب بن زهير وغيرهما - رضي الله عنهم -، فكان يرضى بذلك، ويكافئهم عليه.

والرد عليها هو أنه: لم ينقل عنهم أنهم كانوا يلقون القصائد في مدحه في يوم مولده، فنقول لمن فعل ذلك "ثبِّتْ عرشَكَ ثم انْقُش"، هات الدليل على صحة ما تقولون، فإنما كانت القصائد التي يلقيها شعراء الصحابة - رضي الله عنهم - في مدحه - صلى الله عليه وسلم - بعيدة كل البعد عن الغلو، بخلاف ما يفعله هؤلاء المبتدعة فإنهم يلقون القصائد في هذا الاحتفال المحدث وفيها الغلو مع وصفه ببعض صفات الرب - تبارك وتعالى -، ويستغيثون به ويدعونه، ويزعمون أنه يحضر في هذا الاحتفال المبتدع - عليهم من الله ما يستحقون -، وهنا نذكر جزءاً من هذه القصائد المغالية على سبيل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير